شهد الأسبوع المنصرم انخفاضاً حاداً بأسعار الفائدة بين البنوك والتي تسمى السايبور وصل إلى 1.93 بالمائة لأجل ثلاثة شهور و1.63 بالمائة لأجل شهر واحد مما يعني عملياً ونظرياً عودة الثقة للإقراض بين البنوك كمؤشر على انجلاء أي تخوف من تأثير التداعيات الخطيرة للأزمة المالية العالمية على البنوك السعودية وكتأكيد على سلامة موقفها ووضعها المالي وبعدها عن أي أضرار أو مخاطر حقيقية بوقوعها في فخ هذه الأزمة ولكن لا يجب إغفال العوامل الحقيقية التي أسهمت بهذا الخفض الكبير وعودة الثقة بشكل عام بالنظام المصرفي وباستعراض تاريخي للعام الماضي 2008 نجد أن أسعار السايبور كانت تتراوح في شهر أبريل عند مستوى 2.2 بالمائة ولكن مع نهاية شهر مايو بدأت بوادر الحذر والتخوف تطغى على الائتمان ومع تداعي إفلاس العديد من البنوك الاستثمارية والتجارية في أوروبا وأمريكا تسارعت وتيرة ارتفاع الفائدة بين البنوك (ليبور حسب المؤشر البريطاني لها) عالمياً إلى أن وصلت إلى مستوى 7 بالمائة رغم التخفيضات التي دأبت عليها البنوك المركزية العالمية وعلى رأسها الفيدرالي الأمريكي فقد ارتفع السايبور من ذلك التاريخ إلى مستويات 4.75 بالمائة في شهر أكتوبر الماضي مما حدا بمؤسسة النقد لاتباع سياسة نقدية أكثر انفتاحاً فخفضت أسعار الفائدة بشكل حاد وقامت بتخفيض الاحتياطي النظامي للبنوك على دفعتين من 13 بالمائة إلى 10 بالمائة ثم إلى 7 بالمائة مع ايداع 3 مليارات دولار وزعتها بين البنوك بالتساوي لتأمين السيولة وفقاً للحاجة الماسة لها من جهة ولتعزيز الثقة بالنظام المصرفي السعودي بالإضافة إلى ضمان كافة الودائع بالبنوك وكان آخر تخفيض لأسعار الفائدة في أواخر ديسمبر 2008 حيث تم تخفيض أسعار الشراء (الريبو وهو أسعار إقراض مؤسسة النقد للبنوك التجارية) إلى مستوى 2.5 بالمائة وأسعار إعادة الشراء (الريبو العكسي وهي الأسعار التي تدفعها المؤسسة للبنوك على الودائع مستثنى منها الاحتياطي النطامي) إلى مستوى 1.5 بالمائة وغالبا ما تكون أسعار السايبور بين هذين السعرين مما أدى إلى انخفاضها إلى المستويات المتدنية الحالية مما يعني تعزيز توفير السيولة وضمان تأمينها عند الطلب وتوفيرها لاحتياجات الشركات والمؤسسات والأفراد ويلعب ذلك بتسهيل وتنشيط حركة السيولة عموماً مما يسهم بعودة الاستقرار للتعاملات المالية واستمرار نشاط الأعمال التجارية سواء بتوفير احتياجات الوحدات الاقتصادية للمال المطلوب لاستمرار أعمالها وكذلك عودة الحركة النشطة للإنفاق الاستهلاكي خصوصاً أن نائب محافظ مؤسسة النقد أكد أن هناك تراجعاً بحجم الائتمان بشكل كبير قياساً بنمو وصل ارتفاعه خلال عام 2008 بنسبة بلغت 37 بالمائة وهذا التراجع الأخير أثر على ربحية البنوك عموماً ولكن مع الإجراءات التي اتخذت لتوفير السيولة للنظام المصرفي وتخفيض أسعار الفائدة تبدو الأمور تسير نحو استقرار أوضاع الائتمان بشكل أفضل من السابق والاستعداد لعودة الحيوية لارتفاع حركته مستقبلاً مما يعني انعكاساً إيحابياً على أرباح البنوك من جهة ولكن يبقى الأهم من الجهة الأخرى استمرار حركة العجلة الاقتصادية يدعمها بشكل كبير ميزانية إنفاقية توسعية وضخمة وتأكيد الجهات المعنية على دعم واستقرار القطاع المالي كلاعب أساسي بالعملية التنموية والتغلب على آثار سلبية أوجدتها أزمة العالم غير المسبوقة مالياً واقتصادياً فقد بدأت تظهر بوادر انكماش اقتصادي محلي من خلال ما تردد من توجه بعض الشركات والمصانع لتخفيضات بالإنتاج وإلغاء بعض الوظائف وتراجع بالإنفاق الاستهلاكي طال وكالات ومؤسسات تجارية عديدة.
ولكن يبقى لعودة الثقة كاملة معطيات عديدة ستفصح عنها أرباح البنوك المستقبلية التي تدلل على عودة الحركة النشطة للسيولة المتاحة فلا يكفي وجود السيولة بوفرة دون أن يتم تدويرها بجسد الاقتصاد بشكل مناسب للعملية التنموية ومعدلات النمو بالناتج الوطني المستهدفة، وإعادة الثقة للإنفاق الاستثماري لمشاريع وتوجهات القطاع الخاص وتأمين السيولة اللازمة لها عبر كل النوافذ المتاحة خصوصاً أن فرصة البنوك السعودية كبيرة لتعويض انسحاب البنوك العالمية من تمويل المشاريع الكبرى بالمملكة كما ينتظر أن تسهم كل هذه الخطوات بعودة الثقة للسوق المالية بتعزيز عمليات التمويل الاستثمارية خصوصاً أن الأسعار انخفضت بشكل حاد وأصبحت مكررات الأرباح مغرية على العديد من الشركات والعائد على السعر السوقي يفوق أسعار الفائدة بأضعاف وبالتالي ستسهم عودة السيولة الممولة للاستثمار لاستقرار السوق من جهة وتعزيز الارتفاعات المستقبلية به من خلال الاستثمار الطويل من جهة أخرى خصوصاً أن أسعار الفائدة لن تعود للارتفاع سريعاً فقد يستغرق ذلك أكثر من عام ونصف العام قبل التفكير بأي إجراء معاكس مع انخفاض لمعدلات التضخم التي تسمح بإبقائها عند مستوياتها الحالية لفترة طويلة دون ضغوط.