يعتبر الاستثمار في الأسواق المالية من أخطر أنواع الاستثمار بحكم أنه متاح للجميع ولا يحتاج إلى خبرات أو معارف علمية متطورة، فمعرفة كيفية قراءة بعض الأرقام المالية البسيطة والنسب الأساسية كنسبة ربحية السهم ومكرر الأرباح للسهم تعتبر كافية إلى حد ما لكثير من المتداولين في السوق حسب ما يراه كثير من المحللين الاقتصاديين والماليين. وهنا تكون الخطورة مضاعفة على المتداول البسيط حيث يواجه الخطورة المتأصلة أساساً في أسواق المال (وهي التي يواجهها محترفو الاستثمار) والخطورة الناجمة من عدم تخصصهم في مجال استثمار الأموال، وسأضيف لتلك الحقيقتين حقيقة أخرى (تحمل وزرها مؤسسة النقد) وهي افتقاد الاقتصاد السعودي لوجود قنوات استثمارية مالية شرعية أخرى (لفك) الاختناقات التي تعاني منها سوق الأسهم السعودية.
ويعزا السبب في ذلك إلى عدم رغبة بنوكنا (الوطنية) في فتح مثل تلك القنوات المهمة للمواطنين رغبة منها في الاحتفاظ بالودائع (المجانية) أطول فترة ممكنة في ظل ضعف الرقابة؛ فضلاً عن غض النظر عن صندوق التوازن الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين والذي لم ير النور، علماً بأن صندوق التوازن هو أحد أهم متطلبات المرحلة الحالية لكي تستعيد سوق الأسهم شيئاً من الثقة المفقودة.
ولا أخفيكم سراً بأنني قد أصبحت أخجل من ذكر تلك الحقيقة في المؤتمرات العلمية الخارجية حينما يجرنا الحديث عن المؤسسات المالية والاستثمارية المحلية لأنها تثير لدى المتلقين علامات استفهام واستغراب كبيرة لا تخلو حقيقة من الضحك (باستخفاف) مصحوباً بإيماءة رأسية يحسدون من خلالها بنوكنا (الوطنية) على هذه الهدية الشعبية التي لا يضاهيها هدية (عالمية) أخرى.
ومما يرفع من درجات الخطر في سوقنا المالية كذلك هو اعتمادها حتى اليوم على ورقة مالية واحدة هي الأسهم، ولأسباب غير معروفة استمرت السوق المالية السعودية على تلك الورقة الوحيدة لسنوات وسنوات حتى وصل الحال إلى ما هو عليه الآن بعد أن تسببت تلك الورقة الذهبية بتعريض سوق (الأسهم) إلى انهيارات متتالية (غير مبررة) إطلاقاً وبعد ارتفاعات متتالية (غير مبررة) علمياً ونظامياً، هذه الارتفاعات والانهيارات القاسية لم تكن لتحدث لو كان هناك أوراق مالية أخرى بجانب الأسهم كالسندات على سبيل المثال.
وهذا ما يفسر لنا تحرك سوق الأسهم ككتلة واحدة، فهي تنخفض بكاملها ككرة ثلج سرعان ما تتحول إلى (جبل) ثلج لا أحد يستطيع إيقافه، وترتفع بطريقة (انتقائية) لا يستفيد منها إلا أولو ذي القربى من ملاك الشركات الذين يسرحون ويمرحون في سوقنا المالية بكافة أشكال الطرق (النظامية) مع الأسف، وما يتلقفه المتداول البسيط من هذه الارتفاعات ما هو إلا (الطعم) حيث يتم اصطياده لبدء عمليات التصريف (النظامية) مع الأسف.
هذا الوصف المختصر لحال السوق المالية السعودية يجعل منها مع الأسف الحلقة الأضعف اقتصادياً في مملكتنا الحبيبة التي تملك أكبر وأقوى اقتصاد عربي وإقليمي على الإطلاق، يؤسفني أن أقول إن سوق الأسهم وخلال السنوات القليلة الماضية أصبحت معول هدم لمقدرات المواطن واقتصاد الوطن، في حين كان يجب عليها أن تلعب الدور الأكبر في دفع عجلة (بل عجلات) عملية التنمية الاقتصادية المحلية فالاقتصاد السعودي يمر حالياً بأفضل حالاته ويعيش فترة ازدهار وتوسع غير مسبوقة من إنفاق سخي على مشروعات محلية متنوعة في عدة مجالات علمية وتقنية وبنية تحتية وخطة طموحة لتحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد معرفي.
كان من الممكن للسوق المالية أن تلعب دور (الممول) لمئات من المشاريع الحكومية بدلاً من أن تترك هذا الدور لبنوك الاستثمار الأجنبية لتنعم بالعوائد المجزية التي تتحصل عليها من عمليات التمويل للمشاريع المحلية وتحرم ملايين المواطنين من أن ينعموا بخيرات بلدهم بعدم منحهم فرصة الاستفادة من تلك العوائد المجزية التي تذهب إلى مواطني الدول الأخرى من خلال تحويل السوق المالية السعودية إلى سوق أسهم (مضاربي) بدلاً من أن تكون سوقاً مالية (استثمارية) لينعم بنفعها وخيراتها جميع المواطنين وعدم اقتصار المنافع على (أولي ذي القربى) من الفئات المذكورة سالفاً.
كثيرون يسألونني لماذا لا يكون لدينا هنا سوق متطورة مثل الآخرين طالما أننا كمسؤولين ومتخصصين ومراقبين نعلم علم اليقين أن ما لدينا من سوق لا يحمل من مواصفات السوق المالية غير الاسم فقط وأن مواصفات السوق المالية المنشودة لا تخفى علينا وبالإمكان تحقيقها خلال فترة زمنية معقولة؟؟ سؤال لا أجد له إجابة في الحقيقة وكل ما أفعله هو النظر مباشرة للسائل الكريم مع (رفع) الحاجبين و(مط) الشفتين (ورفع) اليد ين والدعاء بأن يغير الله حال سوق الأسهم قبل أن تعلن وزارة الصحة بأن سوق الأسهم المحلية هو أحد أهم أسباب أمراض الاكتئاب والجلطات بأنواعها القاتل منها وغير القاتل، حينها سيكون هناك حديث آخر.
أستاذ العلوم الاقتصادية والمالية المشارك بجامعة الملك سعود
alhosaan@gmail.com