الرياض - «الجزيرة»
حملت موزانة هذا العام الكثير من البشريات بالنسبة لسوق المال وسوق العمل، لجهة الزيادة الواضحة في الانفاق الحكومي الذي سيعمل على تحريك السوق في كافة جوانبه، كذلك تأتي أهمية تحليل فقرات جوانب الموازنة في ظل أزمة مالية عالمية مستفحلة، وتدني كبير في أسعار النفط التي ينبغي الاقتصاد السعودي عليه في معظمه، وبرغم ذلك جاءت الموازنة كأكبر موازنة في تاريخ المملكة.
موازنة موسعة لاقتصاد كبير
من الأمور الهامة الدالة على الآفاق المستقبلية للاقتصاد السعودي هو استكمال السياسة التوسعية في عام 2009م مما يضيف حافزا للاقتصاد ولذلك فإنه على الرغم من الهبوط الشديد في اسعار النفط، إلا أن الأرصدة الفعلية التي سوف تضخ في شرايين الاقتصاد سوف ترتفع، حيث إن الانفاق الحكومي سيكون عاملاً حيويا في دعم أنشطة الاقتصاد المحلي. ويبلغ اجمالي الإنفاق في موازنة عام 2009 (475 مليار ريال سعودي، بارتفاع 15.9% عن عام 2008 إلا أنه أقل بنسبة 6.9% عن الانفاق الفعلي التقديري في عام 2008م وعادة ما تتضمن الموازنات المالية السعودية أرقاماً أقل من الإنفاق الحكومي الفعلي ونحن نتوقع أن يرتفع الانفاق الفعلي بنسبة 11.5% في عام 2009 عنه في عام 2008، وهذا أقل من ارتفاع الإنفاق الفعلي في عام 2008 الذي بلغ 15.1% ومع ذلك فهذا المستوى من الإنفاق لا يزال مرتفعا كما أنه سيوفر حافزاً قويا للاقتصاد من وجهة نظرنا وسوف يأتي الارتفاع في الإنفاق الحكومي في عام 2009م مماثلاً لمستويات عام 2007 ونعتقد أن الإنفاق الحكومي في عام 2008 كان قد ارتفع بمعدلات سريعة مع الارتفاع الكبير في معدلات التضخم حيث استجابت الحكومة لارتفاع الاسعار بزيادة المرتبات في القطاع العام وزيادة ميزانية الدعم.
النمو السكاني يرفع الصرف على جوانب بعد انخفاض 20 عاماً:
تعطي موازنة عام 2009م الأولوية للإنفاق الرأسمالي في مجالات رئيسية تشمل التنمية الاجتماعية (خاصة التعليم والرعاية الصحية) والبنية التحتية ومع انخفاض أسعار النفط وتراجع المزاج الخاص والتمويل الأجنبي، فإن الهدف الرئيسي للحكومة هو الأستمرار في البرنامج الاستثماري كما أنه مع تراجع توقعات ارتفاع توقعات ارتفاع التضخم في عام 2009م فإن أولوية الإنفاق الجاري سوف تتراجع وإن كان هذا الإنفاق سيظل متوسعاً ويمثل الإنفاق الرأسمالي على التنمية الاجتماعية والبنية التحتية 47.4% من إجمالي الإنفاق (225 مليار ريال سعودي) ويرتفع بنسبة 36.4% عن موازنة عام 2008م.
وقد تم تخصيص أكبر نسبة من الإنفاق للتعليم والقوى العاملة وبما يعادل 25.7% من إجمالي الإنفاق ويمثل الإنفاق على مشروعات المياه والبنية التحتية 7.5% من إجمالي الإنفاق ويشمل المشروعات الجديدة في المدن الصناعية جبيل وينبع أما مشروعات النقل والاتصالات فتمثل 4% من الإنفاق، ولما كانت الموازنة قد وضعت لمواجهة التحديات الماثلة أمام الاقتصاد فإن الجوانب التي تركز عليها صائبة فهناك حاجة ملحة لاستمرار السعودية في خطط التنمية الاجتماعية (خاصة التعليم الذي يؤهل الشباب للحصول على فرص عمل) وفي مشروعات تحديث البنية التحتية خاصة في قطاعات الكهرباء والمياه والإسكان بعد 20 عاما من الاستثمارات المنخفضة في هذه المجالات بالإضافة إلى النمو السكاني القوي.
قدرة على امتصاص آثار تدني سعر النفط:
على الرغم من أن الموازنة لم تتضمن قروضا خاصة بالنفط، إلا أن التقديرات تشير إلى أن الموازنة وضعت على أساس تقدير لمتوسط سعر النفط يتراوح بين 40-45 دولار لبرميل خام برنت وأن يبلغ الإنتاج حوالي 8 ملايين برميل يوميا ومع الهبوط الشديد في أسعار النفط، فإننا نعتقد أن قروضا لموازنة الخاصة بهذه الأسعار أكثر واقعية في عام 2009م عنها في الأعوام الماضية وتتوقع الموازنة أن تبلغ إيرادات النفط 410 مليار ريال سعودي مما سيؤدي إلى عجز يبلغ 40.9 مليار ريال سعودي في عام 2009م والتي ترتفع عن تقديرات الموازنة) فإن نتوقع أن تكون نقطة تعادل النفط في الموازنة 54.5 دولار للبرميل في عام 2009م ومن المتوقع أيضاً أن يحقق المركز المالي فائضاً مرة أخرى في عام 2010م مع ارتفاع إيرادات النفط هذا وتشير التوقعات إلى أن سعر خام برنت في عام 2010 سيبلغ 65 دولار للبرميل.
مركز مالي قوي:
بعد ست سنوات من تحقيق فوائض مالية فإن السعودية تتمتع بمركز قوي للغاية يتيح لها الاستمرار في السياسة التوسعية برغم الانخفاض الشديد في أسعار النفط كما سيسمح لها هذا المركز بتمويل العجز وقد كان الفائض جمالي في عام 2008م حسب التقديرات الواردة في الميزانية وعلى غرار السنوات الماضية استخدم الجزء الأكبر من الفائض الحكومي لزيادة الاحتياطات الأجنبية (والتي تنعكس في صافي الموجودات الأجنبية) وأيضاً لخفض مستوى الدين. ولذلك قد تواصل الحكومة سياسة إعطاء الأولوية للإنفاق. هذا وقد انخفض مستوى الدين ليلبغ 237 مليار ريال سعودي (13.5% من الناتج المحلي الإجمالي) في عام 2008م. وكل الدين الحكومي هو دين محلي.
احتياطي نقدي عال:
ويشير آخر البيانات إلى أن صافي الموجودات الأجنبية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي بلغت 1.7 تريليون ريال سعودي (450.6 مليار دولار) في شهر أكتوبر 2008م، وهذا يمثل 98.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008). وبالإضافة إلى الموجودات الأجنبية، فقد ارتفع صافي الودائع الحكومية لدى الجهاز المصري ارتفاعاً كبيراً. والواقع أن تقديرات العجز في عام 2009م تمثل حوالي 4% فقط من الودائع الحكومية لدى البنوك التجارية المحلية في شهر أكتوبر 2008. وسواء قررت الحكومة تمويل العجز بالسحب من الاحتياطات الأجنبية أو استخدام ودائعها لدى البنوك التجارية المحلية أو بإصدار صكوك وسندات، فإن القرار الذي سوف تتخذه يتوقف على مركز السيولة المحلية. فإذا كانت السيولة شحيحة قد لا تميل الحكومة إلى إصدار أذون وسندات الخزينة أو استخدام ودائعها في البنوك حيث إن مثل هذه السياسة من شأنها استنزاف السيولة. ومع ذلك، فإن شح السيولة لن يمثل مشكلة للسعودية مثل سائر دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى خاصة دولة الإمارات. وقد انعكس ذلك على أسعار الفائدة بين البنوك بالرياض السعودي. وقد يقع بعض الارتفاع في الدين الحكومي للجهاز المصرفي وإن كان معظم هذا الدين سيتم تغطيته من الاحتياطيات الأجنبية. هذا ويتم استثمار جزء كبير من الموجودات الأجنبية في أوراق مالية ذات دخل ثابت يمكن السحب منها بسهولة وضخها في شرايين الاقتصاد.