د. حسن أمين الشقطي
إن بناء الموازنة التقديرية لعام 2009 على النحو الذي تم الإعلان عنه والذي ظهر أنه أعطى حرصاً كبيراً للحفاظ على مستوى عال من الإنفاق الحكومي حتى في ظل توقعه لتراجع أسعار النفط بدليل أنه تقبل حدوث عجز في عام 2009.. رغم معرفة كل ذلك، الأمر الذي خلق مناخاً متفائلاً على مستوى الاقتصاديين الكلي والجزئي، إلا إن تراجع أسعار النفط يبدو مؤثراً نفسياً ومادياً على أوضاع حركة النشاط الاقتصادي والتجاري في السوق المحلي، وخاصة أنه في عام 2009 تبدو الأوضاع سائرة إلى تنفيذ كم هائل من المشروعات الجديدة التي تتطلب توقع التوسع وليس الانكماش. لذلك، فإننا نسعى هنا لرصد تأثير التراجع في أسعار النفط على حركة النشاط الاقتصادي في السوق المحلي.
اقتصادات الدول الكبرى لا تزال في غرف الإنعاش!!
رغم التفاؤل بخطة الانقاذ الاقتصادي للرئيس الأمريكي الجديد والتي أعطت دفعة صعودية للدولار في مقابل العملات الأخرى، إلا أن الاقتصاد الأمريكي وأيضاً العديد من الاقتصادات الكبرى الأخرى لا تزال تعاني من اضطرابات حادة من يوم لآخر.. فيومياً هناك تخفيضات في أسعار الفائدة لدرجة أنها لم تعد تحتفظ بسقف سفلي يمكن القول بإمكانية تخفيضه لاحقاً، حتى أن سعر الفائدة البريطاني تراجع لأدنى مستوى له منذ 300 عام.. أيضاً هناك سيولة جديدة تضخ من حين لآخر لإنعاش قطاعات حيوية في معظم الاقتصاديات الصناعية، آخرها ما أعلنه بنك الاحتياط الفيدرالي عن خطته لطبع أموال لدعم سيولة السوق والعودة إلى النمو مرة أخرى. ورغم كل هذه الخطط التي أتمت شهرها الرابع، إلا إن نتائجها لم تأت بثمار مهمة حتى الآن، فبيانات التوظيف والشكاوى المتزايدة من ارتفاع حدة البطالة، وحالات الإفلاس للشركات الكبرى، وخاصة السيارات، والتراجعات في مستويات الناتج المحلي الإجمالي لا تشير إلى أن الشهرين المقبلين يمكن أن يحملا أخباراً سارة لخروج هذه الاقتصادات من غرف الإنعاش مستفيقة كلية أو حتى جزئياً.
ماذا عن الاقتصاد السعودي؟
تأثير الركود الاقتصادي على مستوى الاقتصاد الكلي السعودي لا شك إنه أصبح تحت السيطرة بعد إطلاق الموازنة التقديرية لعام 2009 مفترضة حدوث عجز مقبول في حدود 65 مليار ريال.. إلا إن الأمر الذي يتسبب في القلق هو مدى قدرة الشركات السعودية على تجاوز مرحلة الركود الاقتصادي المحتمل خلال الشهور الست المقبلة.. فالركود أمر لا مفر منه رغم أنه من المعروف أنه لم يحدث حتى الآن بشكل ملموس.. إلا إن كافة الدول العربية والخليجية معرضة للتفاعل مع الركود العالمي بركود محلي ولكن بنسب متفاوتة. والركود المحتمل محلياً سيحدث بصرف النظر عن تأثير التراجع في أسعار النفط.. لأن أي اقتصاد عربي أو خليجي هو اقتصاد يعيش في ظل عولمة تفرض تداعياتها حتى وإن تأخرت استجابتها نسبياً.
والحديث عن الاقتصاد السعودي ينبغي أن لا يتجاهل الشركات السعودية الكبرى والرائدة في السوق التي تؤثر سياساتها بقوة على بقية الشركات السعودية المتوسطة والصغرى.. إننا نتكلم بالتحديد عن الشركات الصناعية السعودية الكبرى التي يمكن أن تلقى بظلالها على الشركات الصناعية والخدمية الأخرى بالسوق وهذه الشركات الكبرى مثل شركة أرامكو وسابك (بمجموعاتها) وشركات الأسمنت.. بالنسبة لأرامكو كشركة حكومية قد لا تمثل مشكلة سواء على مستوى التوظيف أو الإيرادات، لأن الشركة لا تزال في ملكية الحكومة، وبالتالي فإنه ينطبق عليها ما ينطبق على الموازنة الحكومية من حيث استعداد الحكومة لتغطية العجز إن حدث لا قدر الله.. بل حتى أرامكو قد تنخفض إيراداتها بانخفاض سعر النفط، ولكنها لن تتعرض لخسائر كبيرة لأن غالبية صادراتها من المواد الخام.. ولكن الوضع يختلف لسابك التي قد تتأثر بشكل أكثر سلبية نتيجة التراجع المضاعف في أسعار البتروكيماويات.. وهنا الشركة يحتمل أن تقوم بتقليص جانب كبير من عملياتها التشغيلية نتيجة توقف بعض المصانع الحديثة التي لا تستطيع الإنتاج في ظل تدني أسعار المنتجات التي وصل بعضها إلى حدود الإنتاج غير التجاري، سواء من حيث مستوى السعر أو الكميات المطلوبة. لذلك، فقد تكون سابك من أكبر التداعيات التي تؤثر على السوق المحلي وخاصة أنها تصدر أكثر من ثلثي إنتاجها السنوي.
فترة الركود.. من 3 إلى 6 شهور:
تتوقع الجهات الرسمية الحكومية في غالبية الدول الكبرى إلى أن يتفاقم الركود خلال الربعين الأول والثاني من هذا العام، بعدها تبدأ الاقتصاديات الصناعية في استفاقة جزئية تكتمل مع نهاية العام.. وعليه، فإنه إذا كان من المتوقع أن يحدث بعض التراجع في أسعار النفط خلال الأيام القليلة المقبلة، فإن التكهنات تسود حول أن يكون متوسط سعر النفط خلال عام 2009 في حدود 5085 دولار نتيجة توقع حدوث ارتفاع مع انتعاش معدلات النمو الاقتصادي في الدول الآسيوية الكبرى بدءاً من الربع الثالث من 2009. وعليه، فإن الأزمة المحتمل أن تواجه الشركات المحلية قد تكون حادة في حدود 3 أشهر فقط بدءاً من الربع الثاني وحتى نهاية الربع الثالث فقط.. ولكن السؤال يبرز حول الوضع خلال هذه الفترة. بالطبع لقد بدأت تظهر أعراض تراجع مستوى المبيعات وزيادة في المخزون نتيجة انخفاض مستوى الطلب، لذلك، فمعظم مسؤولي الشركات المحلية الآن يعيشون حالة من الترقب والخوف من استمرار مثل هذه الحالة لفترة تالية.
* محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com