تجاوزت إسرائيل الحد المعقول للرد على هجمات المقاومة الفلسطينية، واستمرت في تجاوز كل أرقام جرائمها بحق الشعب الفلسطيني. وفي الجانب الآخر تجاوز العرب كل أرقام الاجتماعات والمؤتمرات؛ لتتأكد مرةً أخرى مقولة: (إسرائيل تعمل، والعرب يتكلمون)..!!
نعم، فإن الدول العربية انشغلت بالدعوة إلى عقد مؤتمرات القمة، وتسود الأجواء العربية حالة من الارتباك والفوضى السياسية؛ فإضافة إلى قرب انعقاد القمة العربية الاقتصادية في دولة الكويت المقرر عقدها يوم الاثنين المقبل، والتي بدأ وزراء الخارجية العرب إعداد جدول أعمالها الذي سبقه عقد اجتماع خُصص لبحث العدوان الإسرائيلي؛ حيث أكد الاجتماع أن بحث العدوان الإسرائيلي على أهل غزة من أهم محاور قمة الكويت، وأن هذه القضية في قلب اهتمامات القادة العرب في قمة دولة الكويت، وبالتوازي مع بدء أعمال قمة الكويت بدأ (اجتماع غزة) الذي تقدمت إليه قطر على شكل قمة عربية طارئة تحولت - بعد تعذر اكتمال نصابها - إلى أن تكون على شكل اجتماع بلا هوية؛ إذ يرى المتابعون لما يجري على الساحة السياسية العربية أن أبرز الحضور الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي أصبح (المدعو الدائم في المؤتمرات التي تعقد في قطر)، كما لفت انتباه المتابعين مشاركة نائب رئيس وزراء تركيا، ولإعطاء غطاء إسلامي أوسع حضر رئيس السنغال الذي ترأس بلاده القمة الإسلامية، إضافة إلى ممثل عن الرئيس الإندونيسي.
من الجانب العربي حضر رؤساء لبنان وسوريا وموريتانيا والسودان وجزر القمر والجزائر، إضافة إلى أمير دولة قطر. أما بقية الدول، وهي العراق والمغرب وليبيا وعُمان وجيبوتي، فمثلت بوزراء؛ وبهذا تكون اثنتي عشرة دولة عربية فقط، إضافة إلى قادة الفصائل الفلسطينية (حماس والجهاد والجبهة الشعبية)؛ وبذا تكون قمة الدوحة قد عقدت بمَن حضر..!!
و(قمة بمَن حضر) لم تخرج عن غيرها من القمم العربية السابقة.. خطب وتنظير وتوجيه رسائل إلى الجماهير العربية بأن مَن خطبوا ونظروا هم وحدهم الذين يفهمون ما يجري. ولأنهم المفكرون الوحيدون فعلى الجميع أن يسمع ويصفق، بعد سماع الخطب التعبوية والتنظيرية. أما التنفيذ والضحايا فعلى فلسطينيي الداخل أن يدفعوا الثمن، وعلى الدول العربية التي تعمل أن تظل تعمل وتوظف رصيدها وتقدم الدعم، وأن يستمر القادة في خوض نضالهم أمام الميكروفونات ويواصلوا عقد قمم المنابر.
وهكذا سمعنا في الدوحة ما كان يريده بعض الزعماء من خلال إلقاء الخطب وتقديم التنظير الذي سمعناه كثيراً ولا طائل منه، في ظل صمت أطول جبهة قتال تفرَّغ مَن يملكون إطلاق فعلها لإطلاق التنظير وتوجيه النقد للذين يفعلون، في حين تفرَّغ عاشقو الخطب والتنظير للتمترس في خنادق مَن يستثمرون ويوظفون الدم الفلسطيني خدمةً لبقاء أنظمتهم من خلال إطلاق مواقف غير قابلة للتحقيق في الوقت الحاضر، خصوصاً في ظل هرولة عشاق الخطب والتنظير لدعم توجهات ومصالح من هم خارج الوطن العربي ورهن القرار العربي خدمةً لقضايا قوى إقليمية لا تهمها قضايانا بقدر ما يهمها استغلال آلامنا وضحايانا لبقاء أنظمتها.
jaser@al-jazirah.com.sa