لأن المجرم لا يريد للآخرين أن يعرفوا تفاصيل جريمته، ولأن الجلاد يعمل كل ما يستطيع لإخفاء ما فعله بضحيته، فإن همه هو التغطية على أفعاله، وفي الحروب تتماثل أعمال الجيوش الغازية والمحتلة مع أعمال المجرمين والجلادين. والقيام بدور الجلادين والمجرمين العتاة من قبل جيوش الاحتلال لاحظناه يتجسد في حملات الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، وتتجسد الآن بوضوح في العدوان الإسرائيلي الذي ينفذه الجيش الإسرائيلي ضد أهل غزة، ومثلما فعل الجيش الأمريكي عندما وجه نيرانه نحو الصحفيين وبالذات (حمَلة الكاميرا) لمنع إيصال الحقيقة ونقلها إلى خارج مسرح الحرب، يفعلها الجيش الإسرائيلي الآن في قطاع غزة، فالجنود الإسرائيليون -وحسب التعليمات المبلغة لهم من قياداتهم العسكرية والسياسية معاً- قد وضعوا نصب أعينهم مهمة منع الصحفيين -أياً كانت جنسياتهم- من نقل ما يجري على أرض فلسطين في قطاع غزة، وأضيف هدف منع نقل الحقيقة إلى خارج أرض المعارك، حتى لو أدى ذلك إلى قتل الصحفيين، وقتل (عين الحقيقة) حاملي الكاميرات التلفزيونية.
في البداية منعت قوات العدوان الإسرائيلية جميع الصحفيين من التوجه إلى قطاع غزة، فرفضت إعطاء تصاريح للصحفيين المتواجدين في الأرض المحتلة من الصحفيين الفلسطينيين والأجانب والإسرائيليين المقيمين في تل أبيب والذين يعملون لصالح وكالات الأنباء العالمية ومحطات التلفاز الأجنبية، ولم يُسمَح إلا لبضعة صحفيين ومصورين من قنوات التلفزيون الإسرائيلية الذين أعطوا تعليمات مشددة بعدم نقل التجاوزات التي يقوم بها جنود الجيش الإسرائيلي.
ولوجود صحفيين فلسطينيين داخل غزة يعملون ويغطون الأحداث لصالح صحف عربية وأجنبية ووكالات أنباء ومحطات تلفاز عالمية، فقد ظهرت جرائم إسرائيل وسمع عنها وشاهدها وقرأها العالم بأجمعه، عن طريق عمل هؤلاء الصحفيين الذين قدموا أعمالا رائعة من خلال ما يرسلونه من مواد صحفية وتلفزيونية، متخطين كل العقبات والصعاب وحالات الاستهداف والقتل المتعمد من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي التي لديها تعليمات بقنص الصحفيين وخصوصاً المصورين التلفزيونيين، وقد استشهد الكثير منهم.
هؤلاء الصحفيون في أبناء غزة الذين يخوضون كل يوم صراعاً متواصلاً مع جنود الاحتلال، وبعد أن منعوا من الاقتراب من المعارك، أخذوا يتجهون إلى الأماكن التي تتيح لهم إنجاز أعمالهم بصورة أفضل، فاختاروا الأبراج السكنية لالتقاط الصور وتسجيل المعارك التي فرضها الجيش الإسرائيلي على أهل غزة، وبعد أن اكتشف المتوحشون الإسرائيليون مواقع الصحفيين فوق الأبراج، وُجهت الطائرات لتدمير الأبراج واستهدفتها الصواريخ.. وكأن (الكاميرات التلفزيونية) صواريخ أخرى من القسام.. صواريخ تنقل الحقيقة للعالم..!
jaser@al-jazirah.com.sa