Al Jazirah NewsPaper Thursday  15/01/2009 G Issue 13258
الخميس 18 محرم 1430   العدد  13258
الحس الإنساني والوجداني أين هما من مادة التربية؟

 

أسئلة كثيرة وقضايا تثار حول الفن التشكيلي وأثره، وماذا قدم للبشرية والحضارة؟، وتضيق الدائرة أكثر حين يدرس في المدارس ويعمل رسالة تربوية ويقيد باسمها فيصبح (تربية فنية) رغم ما يواجهه المعلمون والمشرفون التربويون على مادة التربية الفنية من استخفاف بالمادة باعتبار أنها مادة لا رسوب بها.

ولكن ليس هذا ما يسعى إليه التربويون من خلال مادة التربية الفنية أو غيرها من المواد، فليس التقييم أحد الأهداف ولكنه ليس بالهدف الرئيس, فما قيمة الدرجات والنجاح ما لم يرافقها العلم النافع وحب المعرفة والاستمرارية في التعلم مدى الحياة.

كيف يمكن تسطيح المواد التعليمية وتحويلها إلى مواد لاجتياز مرحلة فقط، ولا يحمل الطالب في حقيقته الحياتية بعد التخرج سوى الخواء في الذاكرة، وذكريات الكتب التي فرقت أمام قاعات الاختبار، أو رُميت لحظة الانتهاء منها، كيف يسلخ العلم من القيم والمبادئ والحياة؟ ومن علم يقصد به التقرب إلى الله والانتفاع به إلى علم لا يقيس سوى القدرات على الحفظ. وهذا التسطيح للمواد الدراسية وخصوصاً في التعليم العام (المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية) له أسباب عديدة ولكننا نلقي الضوء على أحد أهم الأسباب ألا وهو أساليب التدريس وسأناقش هذا في مادة التربية الفنية على وجه الخصوص وذلك بناء على دراسة أجريتها في مدارس التعليم العام وظهرت نتائجها كما سبق وذكرت أساليب التدريس التي لا تعمق الفهم بالمادة وتربطه بالحياة اليومية. وقد كان للهدف الوجداني النصيب الأكبر من هذا التسطيح في تطبيقه في الدروس رغم أنه من أكثر الأهداف أهمية وهو جزء مهم في تركيبة العلم وأحد أهم الأسباب الدافعة لتعلم الشعور بقيمة الذات والآخرين.. الخ.

وحين نطلع على سجلات المعلمين وعلى دروس التربية الفنية في المواقع التعليمية على الشبكة العنكبوتية نجد أن الهدف الوجداني مدون من ضمن لا أهداف حيث لا يسقط من اعتباره ولكنه هو للكتابة فقط. فهو يؤكد في تحضيره على أهمية الإتقان والنظافة والتعاون والإخلاص.. ولكن أين كل هذا منه؟ من درسه؟ من طلابه؟ فالمعلم يحث على التعاون بين الطلاب وهو لا يجيد فن هذا التعامل بينه وبين زملائه وبالتالي لا يجيد تعليمه وبث هذه الروح بين طلابه.

ويدخل الصف في فوضى من أمره يحمل بعض أشيائه ويفقد الأخرى ويهمل في مرسمه وفي ترتيب أدواته ونظافتها ويحث على النظافة! يؤكد على إتقان العمل وهو مقصر في دروسه وفي واجباته كيف؟

(فاقد الشيء لا يعطيه).

وعندما نغوص في الأمثلة حول الأهداف الخاصة فإننا نجد الكثير من هذه التناقضات فمثلاً:

درس (فن تغليف الهدايا)

يكون الهدف الوجداني في هذا الدرس كما دون في دفتر التحضير عملاً بقول الرسول عليه الصلاة والسلام (تهادوا تحابوا) وينتهي الدرس بعلب فارغة مغلفة، وقد استهلكت عدداً من الخامات والكثير من الجهد والوقت لتركن في المرسم أو تعرض في ختام الأنشطة في معرض التربية الفنية.ماذا لو قام المعلم بتهيئة الطالب قبل الدرس بأن يختار شخصاً يهديه هذه الهدية والده - والد - أخ - صديق - معلم وأن يكتب بطاقة إهداء يعبر فيها عن امتنانه وشكره أو اعتذاره.. وبعد انتهاء الدرس يهدي الطالب ما أنتجه ليستشعر معنى الهدية وقيمتها حين يكون هو من قام بتغليفها وبذل جهداً بها، وكذلك ما سيتلقاه من مشاعر الحب والامتنان من الشخص المهدى له.

درس (التراث والفن الشعبي)

يتلقى الطالب منذ المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الجامعية الطريقة نفسها في دروس الفن حول التراث والفن الشعبي وهي أن تكون العلاقة بينهما علاقة مقلد يصور ما أمامه دون أي شعور بالانتماء وهذا الامتداد الثقافي والحضاري حتى الشعور بجمال هذا التراث وقيمته الفنية مفقودة، ونرصد تعابير الإكراه والملل في وجوه الطلبة حين يكون الدرس في أحد موضوعات التراث والفن الشعبي! لماذا؟ لأن النتيجة المرجوة هي الانتهاء من المهارة فقط دون الحرص على أن تكون القيم الإنسانية والشعور بالانتماء والحب لهذا الفن وتقديره والفخر به أحد أهم ما يحققه في درس يقدم الموروث الثقافي لأبنائه، ولعلي أثبت بمثال صحة ما أقول حين نجد أن أبناء الوطن الذين يقضون أعواماً عديدة خارج الوطن بهدف الدراسة أو العمل أو غيرها من الأسباب، فإننا نجد أن هذه العلاقة تتوطد ويصبح هناك حب وشغف لهذا الأثر وهذا الموروث ويظهر هذا التقدير بعدد من الأفعال لعل أحدها استحضار هذا التراث وإقامة المعارض له، والبحث فيه وعمل دراسات مستفيضة عنه، وإذا كان فناناً نجد أن مواضيعه تتمحور حول الفن الشعبي ورموزه ودلالاته.

كيف نحقق هذه القيمة للطلاب دون اغتراب؟ بأن نجعل جزءاً من الحاضر المتطور الممتد لا المنفصل، بأن نترك له أثراً طيباً ونكهة خاصة وذلك بأن نخاطب به الحواس كلها، بأن نعد له رحلات خاصة ونحفر في ذاكرته البصرية ذكرى جميلة، وأن لا أعرضه بمعزل عن الحاضر ومتطلباته وجعله امتدادا، وهذا أحد أهم أهداف التربية الفنية أن تكون حلقة وصل ممتدة بين الماضي والحاضر ويكون أحد أهم سبل الاتصال (الجدة والابتكار).

درس (الفن الإسلامي)

هذا الفن الخالص، الذي لا يشبه غيره يحمل في طياته الكثير من الجمال والتعقيد في القدرة على استشعاره والإحساس به وفي القدرة على تنفيذه حتى بالمحاكاة.

وهذه مشكلة فعلية يواجهها المعلمون في دروس الفن الإسلامي فالطالب يقف حائراً عاجزاً أمام هذا الفن الذي يحمل رموزاً بالغة الدقة والتعقيد وهذا الإيقاع والتكامل غير العادي، في مقابل أن الطالب لا يشعر بانتماء بصري لهذه اللغة فهي غير موجودة حوله في البيوت وفي الأثاث وفيما حوله فكيف يستطيع المعلم أن يخلق جواً من الألفة والحب والبساطة من هذا الفن؟!

كيف يرتبط هذا الفن ارتباطاً وثيقاً بدينه وحياته وعلاقته بما حوله من البشر والكائنات الحية ومع ذلك لا يصل؟ ألا يحتاج هذا إلى قيم تخاطب الروح والوجدان، وكيف نحققها؟ وما هي النتائج المرجوة من هذا الدرس؟ التقليد فقط دون قناعات أو فهم؟ أم الفهم الوجداني العميق أولاً ثم الإيمان بهذا الفن؟ وهنا نطرح عدداً من الأسئلة التي يجب أن تكون أمام ناظري كل معلم تربية فنية حين يعد دروس التربية الفنية وهذه الأسئلة هي:

- كيف أحافظ على التراث والحضارة؟

- كيف أوحّد المشاعر والأحاسيس بين الطلاب؟

- كيف أرتقي بأنظمة التفاعل البشري في المنظومة المدرسية؟

- كيف أحقق الاتزان الانفعالي لدى الطلاب.

- كيف أنمي أساليب التعبير والتفاهم من خلال الموضوعات؟

- كيف أكسب الطلاب لغة غير لفظية للاتصال والتفاهم في عالم يضج بالرموز؟

- كيف أحقق الانتماء الثقافي والاجتماعي؟

- كيف أوظف دروس التربية الفنية لتصبح جزءاً من ثقافة الطالب الحياتية والتي ترتقي بمستواه التعليمي والتذوقي؟

- كيف أعلم الطالب القدرة على التجديد والتطوير في حياته المستقبلية؟

- كيف أنمي مهارات التفكير الإبداعي لدى الطلاب؟

- كيف يدرك قيم الجمال في الطبيعة والحياة؟

- كيف أدربه على القدرة على التأمل والتدبير والتفكير في خلق الله والشعور بعظمته وإعجازه؟

- كيف أعمق من خلال مادة التربية الفنية العلاقة بين الطالب وربه؟

وحين نستطيع الإجابة على هذه الأسئلة ونفعلها بالشكل الحقيقي في الدروس سنجد أنها تحولت إلى نتائج تعليمية عميقة ومؤثرة في الطالب وفي حياته ومجتمعه.

قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْم يَعْلَمُونَ}(32) سورة الأعراف.

عائشة الحارثي
مشرفة تربية فنية وباحثة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد