وقفت الدولة العبرية منذ سنوات عديدة تحت المتاريس السياسية الأمريكية وحماية من إداراتها الجائرة في إدراك الحق العربي المسلوب منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948م, فباتت هذه الدولة المارقة في مأمن من تأديب المجتمع الدولي الذي يكتفي فقط بالشجب والإدانة دون آلية واضحة لتطبيق قرارات شرعيته ضد تصرفات إسرائيل.
فليس بمستغرب من هؤلاء الصهاينة أن يبطشوا بإخوتنا في فلسطين والعالم يتفرج لأنهم وظفوا كل طاقاتهم ووسائلهم وجهودهم لكسب الود الأمريكي منذ عقود فنصبوا لأنفسهم مظلة تحميهم وغطاءً سياسياً يبرر لهم ما يرتكبونه من جرائم في حق الشعب العربي الفلسطيني، حتى أنه من الغريب أن إسرائيل تعتدي على الكنائس والعالم الغربي لا يستطيع الحراك، كل ذلك لأن إسرائيل مارقة على القوانين الدولية ولا تُلجم أبداً بالقرارات الأممية ناهيك عن أن آرييل شارون قال يوماً ما كلمة إثر اجتماع القمة العربية في بيروت: إن معاهدة السلام العربية لا تساوي الورق الذي كُتبت عليه.
لأنهم لا ينظرون للعرب نظرة احترام وتقدير، ولا يقطعون على رقابهم العهود والمواثيق التي تلزمهم باحترام الأمم الأخرى.
(حماس) تقاتل من أجل قضية مشروعة وهي رد الحقوق المسلوبة، والدفاع عن أراضي شعبها المحتل، ولكنها تفتقر للغطاء السياسي الدولي الذي تمتلكه إسرائيل؛ ما جعلها في خندق الاتهام والعدوان في المنظور السياسي الغربي الذي لا يعترف إلا بالقوة السياسية والنفوذ مهما كانت الأيديولوجيات والأفكار التي تنطلق منها حركات التحرر العالمية.
من هذا المنطلق كان للصراع الفكري مكانه في المناخ السياسي الإقليمي والدولي منذ زمن بعيد، فالساسة الإسرائيليون وضعوا بأياديهم الملطخة بدماء الشرفاء القلم من هنا والبندقية من هناك وكتبوا في حقوقهم الكاذبة طويلاً، فها هو بنيامين نتنياهو يضع مكاناً لإسرائيل بين الأمم كي يقنع العالم بإرهاب الفلسطينيين عندما قُتل أخوه في حادثة ميونيخ، وأن إسرائيل العالم كما يسميها لها الحق بأن تعيش كقوة عظمى وذلك عبر سرد الأكاذيب والنظريات والافتراءات على العرب وحضارته الإسلامية التي نقلها للعالم متناسياً كيف كان العرب من أرقى الشعوب في تعاملهم مع الأقليات ومن ضمنها اليهود أنفسهم في عدة أقاليم من العالم الإسلامي في فترات الخلافة الأولى وما بعدها، فرد عليه المفكر العربي حمدان حمدان في رائعته (اغتيال التاريخ) كاشفاً زيف الدعاوى والخزعبلات التي تحدث عنها نتنياهو، وكأنه يريد أن يقول للأجيال التي تقرأ: تعلموا كيف يفكر العدو وماذا يكتب.
وها هو شمعون بيريز مهندس جريمة عناقيد الغضب الحائز بكل خطيئة جائزة نوبل للسلام، يضع أفكاره في عنوان طري مريح للأعين التي تقرؤه وهو (الشرق الأوسط الجديد) متحدثاً كأكاديمي مسالم، ومفكر مهذب عن الشرق الأوسط الذي يحتضن إسرائيل والدول العربية كطيور ملونة جميلة في حديقة غناء, وكيف سيكون السلام الاقتصادي القادم شعاراً للأجيال الواعدة، تلك الأجيال التي قتلتها دبابات إسرائيل وطائراتها، متناسياً أيضاً أن الذاكرة الفلسطينية لا تموت، والشعوب العربية الحية ستكون بغضبها وحنقها على جرائم بيريز شهادة حقة للتاريخ القادم، ولكن هؤلاء يكتبون كي تملأ المكتبات العالمية أعمال إسرائيلية أدبية كستار للبطش والعدوان والقتل والدمار.
أما سئم هؤلاء من ترديد أكاذيبهم للعالم وتصدير أوهامهم للبشرية فها هم يقولون إن اليهود هم الشعب الذي عانى من جراء الويلات والحروب والتشرد، وليس بأصدق من حجة تقال إلا أن تشريدهم تم في القارة الأوروبية التي عاشوا فيها قبل الهجرة إلى فلسطين وليس على أيدي العرب.
لقد أنجبت بريطانيا دولة لليهود في الأراضي العربية من أبٍ أمريكي غير شرعي فتكون هذا المخلوق المشوّه من خلال ابتزاز الدول العظمى، بامتصاص العقل الأمريكي والمخزون البريطاني والمال الألماني والتهام الإعلام الغربي، وسحقت القرارات الدولية بحق الفيتو الأمريكي ككارت أحمر في وجوه اللاعبين الدوليين، فلك أن تعلم أن الولايات المتحدة أكثر دولة في مجلس الأمن استخدمت حق النقض ولصالح دولة إسرائيل، فقد استخدمت الولايات المتحدة منذ العام 1982م حق الفيتو 32 مرة ضد قرارات تدين إسرائيل، وهذا العدد يفوق ما استخدمته جميع الدول التي يحق لها استخدام حق النقض في نفس الفترة.
فلا تخطئ أمريكا أبداً في انتقاء العبارات الدقيقة في رصد الأحداث في فلسطين حيث نسمع دائماً عن العنف من قِبل إسرائيل أو القوة المفرطة وبخجل تام، وفي المقابل تصبح القواميس اللغوية أكثر شراسة مع الفلسطينيين فيوصمون بالإرهابيين والقتلة والسفاحين، هذه اللغة السياسية التي يتحدث بها السياسيون في البيت الأبيض لا تُنصف قضايانا ولا تضع الأمور في موازينها لأنها تصب في صالح الكيان الصهيوني، وهذا دليل قوي على أن المعركة السياسية وقوة الحضور الدولي وسلاح الدبلوماسية ذات أهمية قد تختصر الكثير من الوقت في سبيل نصرة القضية الفلسطينية.
من هنا جاءت تصريحات صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل في مجلس الأمن عندما ندّد بصمت المجتمع الدولي الذي أصاب الجميع بالدهشة وتباطؤ مجلس الأمن عن وقف العدوان على غزة، ففي مثل هذه المواقف التي تسجلها المملكة العربية السعودية تعطي رسالة قوية لإسرائيل وللولايات المتحدة من ورائها أن القانون الدولي فوق الجميع، والحماية الأمريكية لتصرفات إسرائيل في مجلس الأمن مرفوضة تماماً، ونعود بالذاكرة هنا إلى الوراء لنرى كيف يساومنا الغرب بأعز قضايانا ويحاول الاتجار بها في سبيل تمرير مصالحه وأهدافه، وذلك عندما جاء ممثل البابا إلى المملكة العربية السعودية والتقى بالملك عبد العزيز - رحمه الله تعالى - واقترح عليه أن يتم بناء كنيسة في الظهران مقابل الدفاع عن الحقوق الفلسطينية فرفض الملك عبد العزيز - رحمه الله - ذلك رفضاً تاماً، وقال إن حقوقنا نستردها بتوفيق الله ونصرته.
عندما يتكلم الساسة الإسرائيليون ينظرون لأنفسهم كجزء من العالم المتحضر الذي يحترم حقوق الإنسان ويحارب التطرف والإرهاب، فهنا، ومن هذه النقطة تنطلق المعركة القانونية والأخلاقية مع هذا الكيان الغاشم، فيجب على اتحاد المحامين العرب والحقوقيين والمحامين الدوليين وكل أنصار الحق العربي أن يوظفوا طاقاتهم ويجتهدوا في أعمالهم كي يثيروا الرأي العالمي الغربي ضد مجازر إسرائيل وكشف جرائمهم في فلسطين الحبيبة من خلال التعاون مع الصليب الأحمر الدولي والأونوروا ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها، وذلك برصد ممارساتهم خلال الأيام الماضية، فلا تكفي البندقية سلاحاً للمقاومة بل يجب حشد التأييد الدولي ضد هذا العدوان الأرعن، ومخاطبة العقل الغربي باللغة التي يفهمها والتعريف الحقيقي بالقضية الفلسطينية وأبعادها وإبراز الدور العربي الحقيقي في المسرح العالمي، لا أن نتباكى فقط ونشجب ونندب ونندد بلا فائدة، كما تقول الحكمة (لأن توقد شمعة خير لك من أن تلعن الظلام ألف مرة). أما بخصوص الفيتو الأمريكي المتوثب دائماً للانقضاض على قرارات الحق الفلسطيني التي تدين إسرائيل، فينبغي التعامل معه من خلال توحيد كلمة العرب ومواقفهم للضغط على الحكومة الأمريكية القادمة وبلغة المصالح التي تدركها أمريكا، يقابل ذلك لوبي عربي يتشكل في الولايات المتحدة الأمريكية، قد يحتاج إلى سنوات لتحقيق الأهداف المرجوة بتحقيق جماعات ضغط على القرارات الأمريكية ولكن سيحقق شيئاً من الأمل في المستقبل القادم في مقارعة اللوبي الصهيوني وهزيمة منظمة آيباك الإسرائيلية كي يأتي يوماً ما لا يحتاج فيها أي رئيس أمريكي قادم للعبور إلى البيت الأبيض من خلال بوابة آيباك الإسرائيلية.
سكاكا – الجوف