دائماً ما تثبت الحركات الإسلامية تواضع تفكيرها أمام المكر الصهيوني الباحث عن ذريعة للإجهاز عليها أو تحييدها، وتوجيه آلته العسكرية للبطش والتدمير والقتل غير عابئ بأصوات الشجب والاحتجاج والتظاهرات.. والأمثلة كثيرة، حرب تموز في لبنان التي خاضته مع مليشيات (حزب الله) وما نتج عن ذلك من تدمير لعشرات القرى والمدن والبنى التحتية اللبنانية.. ناهيك عن آلاف القتلى والمهجرين الذين لا ذنب لهم ولا جريرة، ورغم أن حسابات النصر والهزيمة تكون من خلال النتائج المدمرة لا من خلال المهرجانات والميكرفونات.
الخطأ نفسه ترتكبه (حماس) والتي أعتقد أنها قد استدرجت إلى (المحرقة) من خلال رفضها الاستمرار في التهدئة، وعدم قبولها بالاتفاق المصري الذي كان بإمكانه أن يجنب سكان (غزة) الأبرياء من أتون حرب غير متكافئة وأمام عدو مخاتل، ودموي، ومغتصب.
(حماس) في ظني جرت إلى معركة تعرف أنها غير متكافئة مع العدو لكسبها ف(غزة) تختلف عن (جنوب لبنان) كما أنها في وضع يختلف تماماً عن (حزب الله) تأهيلاً، وإمكانات، وحرية تنقل.. إذ بالكاد تحصل (حماس) على ما تريده من سلاح عبر التهريب من الأنفاق، رغم أن متحدث باسمها قد أشار إلى أن السلاح الذي بيدهم حصلوا عليه من مخازن ومقرات السلطة التي استولوا عليها بعد معركة دموية جردوا.
مشكلة الحركات الإسلاموية على اختلاف مذاهبها وأيدلوجياتها أنها لا تملك صناعة القرار بمفردها بل هي رهينة لأجندات دولية مختلفة.. بحيث رأينا قبل أيام أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي.. يبشرنا بأن (حزب الله اللبناني!) لن يدخل في مغامرة جديدة مع العدو.. أنا مضطر لإيراد ذلك تأكيداً لما ذهبت إليه، لذا فإن علينا بالمقابل أن نتحاور مع أطراف أخرى إذا أردنا أن تقبل (حماس) وقفاً لإطلاق الصواريخ.. هو ذا لب المشكلة!
ومع ذلك، ومهما كان رأينا في (حماس) فإن المشهد اليوم مأساوي بما فيه الكفاية، ولا يحتمل الجلوس في المناطق الرمادية، بل على أقطاب الحكمة والوزن السياسي في المنطقة أن يتدخلوا بما لهم من وزن لإيقاف الحرب وتجنيب الشعب الفلسطيني في القطاع ويلات الموت والدمار، غير عابئين بأصوات الموتورين والفضائيات ممن يتاجرون بدماء الضحايا الأبرياء.. فالتظاهرات، ولغة التخوين، ومحاصرة السفارات لا تجدي نفعاً، ولا توقف هذه المجازر المرعبة.
المطلوب إيقاف المحرقة فوراً، وعلى الفلسطينيين الجلوس معاً بمختلف تنظيماتهم وتوجهاتهم ويتخذون قراراً وطنياً نابعاً من مصلحة شعبهم وسلامتهم.
أوقفوا المجزرة عن هذا الشعب الجائع والمحاصر والمهجَّر.
alassery@hotmail.com