Al Jazirah NewsPaper Tuesday  13/01/2009 G Issue 13256
الثلاثاء 16 محرم 1430   العدد  13256
أرباح وخسائر الصراع الفلسطيني
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

 

معادلة بائسة اتضحت معالمها الحقيقية في قطاع غزة المحترق منذ بداية العدوان الإسرائيلي تؤكد أن إسرائيل (الطرف الأول) تقتل وتدمر في جموع الشعب الفلسطيني (الطرف الثاني)، فيما يتحرك العرب (الطرف الثالث) لوقف العدوان الإسرائيلي فاتحين قلوبهم وصدورهم وجيوبهم لنصرة الشعب الفلسطيني وإعادة بناء ما دمرته إسرائيل، أما حركة حماس (الطرف الرابع) فتكتفي بفعل المستحيل كي تبقى على كرسي السلطة حتى وإن كلف الأمر إنهاك واستنزاف الطرفين الثاني والثالث.

القضية برمتها معقدة وشائكة فهي لا تكثر عن حقائق الثقافة السياسية لغالبية مجتمعات المنطقة، ولا تقل عن واقعها التاريخي، فلو قرأ الفلسطينيون التاريخ جيداً (خصوصاً تاريخ المنطقة العربية وعلى وجه التحديد تاريخ بلاد الشام الذي أورده المؤلف (محمد كرد علي) في كتابه المعروف (خطط الشام)) لما ترددوا ولو للحظة واحدة في التوقف عن الصراع من أجل السلطة، ولامتنعوا عن نكأ الجراح القديمة وإثارة القضايا الفكرية المعقدة والمتأججة فيما بينهم، ولركزوا على العوامل الإيجابية الكثيرة المشتركة التي تجمع فيما بينهم.

نعم لو أدرك الفلسطينيون مخاطر الفرقة والخلاف وسلبيات الاختلاف لما لجوا وغاصوا في أعماق القضايا الخلافية والعقائدية الملتهبة التي تؤجج الصراع فيما بينهم والتي تسببت في الفتك بأمن واستقرار الشعب الفلسطين بل وباستقرار الشعوب العربية والإسلامية على مدى التاريخ. نعم لقد كانت حقيقة الخلاف الداخلي الفلسطيني الذاتي دائما ما تكون نتاجا لضلوع قوى خارجية نجحت في تحريك وتأجيج الخلافات الفلسطينية وبرعت في اختراق صفوف البعض من الداخل الفلسطيني فاستغلت الخلاف والسياسي ووظفته في تحقيق أهدافها ومصالحها في المنطقة.

الحقيقة تشير إلى أن قضايا الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني من القضايا المصيرية الخطيرة التي يرتبط بها حاضر الشعب الفلسطيني برمته ويرتهن لها مستقبله لكونها ساهمت في تعثر القضية الفلسطينية وضعفها وتمكين إسرائيل منها. لذا فإن شعب فلسطين سيعاني الشيء الكثير من نتائج ومغبات ذلك الخلاف العقيم كما هو حاصل اليوم في غزة ولربما سيستمر لسنوات طوال بل ولربما لعقود طويلة إن لم يكن لقرون قادمة إن لم تعِ القيادات الفلسطينية السياسية مخاطر النزاع وتتعظ من تجارب الماضي، أخيراً فيما لو لم تقدم جميع قيادات الفصائل الفلسطينية مصلحة الشعب الفلسطيني على مصالحها الفردية أو النخبوية.

الذي نراه ونحس به حتى الآن أنه وعلى الرغم من وعي الجميع لمخاطر وسلبيات هذه الحقائق، إلا أن حركة حماس تحديداً أفشلت حوار مكة ومن ثم حوار القاهرة الذي عقد بين مختلف الفصائل الفلسطينية بعد أن تجمد الحوار وتوقف حول مطرقة إصرار البعض من الفلسطينيين في الرأي والمعتقد، وسندان تصلب نخب فلسطينية أخرى في المواقف. إنه حقاً الداء الثقافي السياسي الذي تحكم في نسبة كبيرة من العقول الفلسطينية بل وهيمن على معظم الإرادات السياسية الفلسطينية.

أضف إلى ما سبق، وإلى جانب معضلة التصلب والإصرار الفردي الفصائلي الفلسطيني في الرأي والمواقف، لا زالت مشكلة تنامي حدة أزمة الشك والثقة الفلسطينية - الفلسطينية تراوح مكانها وتتحكم في العقول والتوجهات الفلسطينية، كما وتقف تبعا لذلك عائقا في وجه التضامن والتكاتف الفلسطيني على الرغم من وجود عدو مشترك يسلط سيفه القاتل على أعناق الجميع، وعلى الرغم من وجود قناعة فلسطينية عامة بضرورة مقاومته ومواجهته.

لهذا لا زالت المسألة الفلسطينية مسألة صراع الإرادات السياسية للقوى السياسية أكثر من أي شيء آخر من الممكن أن يتصوره فكر إنسان أو يتوصل إليه عقل محلل أو مبدع سياسي. ومن هنا يمكن القول تباعا إن المشكلة الفلسطينية برمتها تكمن في كمون شخصية الفرد السياسية النفسية أكثر مما تكمن في مسألة الكمون الجماعي السياسي أو النفسي العام، وتتحدد مصادر ذلك الكمون على مستوى السلطة السياسية الفلسطينية التي يمكن حصرها أيضاً في عدد محدود من الأشخاص.

التطورات السياسية الخلافية السلبية بين فتح وحماس التي بدات بعد انقلاب حماس على السلطة وتتواصل فصولها المخزية منذ أكثر من عام ونصف حولت الخلاف الفلسطيني إلى صراع فلسطيني فلسطيني في شوارع تحولت إلى ساحات للمعارك استخدمت فيها القبضات والأسلحة لتصفية الحسابات ولحسم الخلافات، فالخلاف السياسي القيادي الفلسطيني الذي لم يحسمه الحوار الذاتي في مكة والقاهرة ساهم في تعزيز قوة إسرائيل وساعدها على تحقيق أهدافها ومصالحها وسهولة تحركاتها العسكرية في القطاع على مرأى ومسمع الجميع.

السؤال: إلى متى يستمر الشعب الفلسطيني في دفع ثمن ذلك الخلاف بدمه وماله وأرواحه؟ أخيراً إلى متى يدفع العرب أيضاً ثمن ذلك الخلاف الفلسطيني العقيم؟.



drwahid@email.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد