Al Jazirah NewsPaper Saturday  10/01/2009 G Issue 13253
السبت 13 محرم 1430   العدد  13253
(طلعت وفا).. نجم الصحافة السعودية الدولية
د.علي بن شويل القرني

 

(طلعت وفا) اسم بارز في الصحافة السعودية، بدأ محرراً في صحيفة الرياض، وطالباً في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود، وصنع لنفسه نجاحات كبيرة على المستوى المحلي والدولي.. سبق أن كتبت عنه في مقال قبل سنوات بصحيفة« الجزيرة »بأنه صحافي من ......

الدرجة الأولى يتمتع بمهنية عالية جداً قلما توجد في صحافتنا السعودية.. فنحن نعلم أن كثيراً من محرري صحافتنا هم ضيوف شرف على المناسبات الوطنية والدولية، أما هو فكان مختلفاً عن غيره من الصحافيين السعوديين والعرب. كان دائماً يحمل معه كامرته الفوتوغرافية ليسجل بها أي حدث إعلامي أو شخصي، ومعه دائماً كمبيوتره المحمول يطبع ويرسل منه تقاريره الإعلامية، كما بيده مسجله الذي يزاحم به كثيراً من الصحافيين الدوليين في المناسبات الخارجية.. هذه الثلاثية المهنية هي جزء من شخصية طلعت وفا، وهي التي أكسبته شهرة ونجاحاً إعلامياً، واحتراماً كبيراً بين مسؤولي المهنة الصحافية..

طلعت وفا لي ذكريات عطرة معه - يرحمه الله - منذ أن كنّا طلابا نبدأ مع بعضنا رحلة البداية في الصحافة (مع زملاء آخرين أفاضل)، وقد كان طلعت هو الروح المرحة والشخصية الجذابة بيننا جميعا، وكان معنا في كل تفاصيل حياتنا العامة والخاصة.. ثم بعد أن بدأ التعاون مع صحيفة الرياض كان نموذجاً نقتدي به في العمل المهني، والمسؤوليات التحريرية التي منحه إياها الأستاذ تركي السديري، حيث لمس فيه مستقبلاً واعداً للصحافة، فتبناه شخصياً، وأثبت زميلنا طلعت وفا أنه في مستوى مسؤولية الأعمال الصحافية التي أنيطت به..

والمرحلة الثانية في حياة طلعت وفا هي في انتقاله للدراسة بالولايات المتحدة الأمريكية - في العاصمة واشنطن - حيث برز نجمه على الصعيد الدولي، وغطى الكثير من المناسبات العالمية من هناك، وحقق الكثير من النجاحات المهنية، واكتسب خبرات واسعة من زملاء ومؤسسات المهنة في واشنطن.. إضافة إلى حصوله على الماجستير في العلاقات الدولية، وكذلك بدايته للدكتوراه إلى أن وصل إلى مرحلة نهائية (كتابة أطروحة الدكتوراة)، قطعها بعودته إلى المملكة - وهذه هي المرحة الثالثة - وانخراطه في العمل المهني من جديد، حيث أسندت له رئاسة تحرير صحيفة رياض ديلي.. وحقق فيها نجاحات مهمة، ونقلها إلى الصحيفة الإنجليزية الأولى في مدينة الرياض، حيث كانت تنافسها صحف قائمة ذات تاريخ طويل مثل عرب نيوز وسعودي جازيت.. إلى أن توقفت بسبب ظروف خارجة عن نطاق المهنية التحريرية التي كانت تتسم بها هذه الصحيفة.. ثم واصل جهوده ونجاحاته مع الصحيفة الأم التي انطلق منها - صحيفة الرياض - وقد كان هو المحرر السياسي الدولي الأول على مستوى المملكة بما كان يمتلكه من علاقات واسعة على الصعيد الدولي، وبما يمتلكه من حاسة صحافية حققت له نجاحات كبيرة في لقاءات مهمة، وتقارير دولية غير مسبوقة..

أما المرحلة الأخيرة من حياته - يرحمه الله - فقد كانت معاناته مع المرض، وأذكر عندما أخبرني عن هذه المعاناة قبل فترة طويلة، وكأن قلبي قد سقط من مكانه وأنا أشعر بالألم الشديد، ولكنه بادر وبسرعة بأن طمأنني بأن هذا هو امتحان من الله ويجب أن يرحب دائما بقضاء الله وقدره.. وفي نفس الوقت أثبت طلعت وفا عن وجه آخر لم نكن نعرفه في شخصيته وهو قوة تحمله، وقدرته على مكافحة هذا المرض، وعدم الاستسلام له، فلم يغير المرض من أسلوب حياته شيئا يذكر، حيث كان دائما في مقدمة الصحافيين السعوديين الذين يغطون المناسبات الرسمية الخارجية، وكان في مقدمة الوفد الصحافي السعودي الذي يرافق خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد في الزيارات الخارجية.. وقد شاهدناه في أكثر من مناسبة ضاغطاً على ظروفه المرضية متحدياً عناء الجسد من أجل أن يكمل مقابلة، أو يكتب تقريراً، أو يرسل خبراً.. كما كان - يرحمه الله - ممن يساهمون كثيراً في بناء علاقات إعلامية وتقديم ما يحتاجه الصحافيون والإعلاميون الأجانب عن المملكة، حيث كان عضواً فاعلاً في المراكز الإعلامية التي تقام خارج المملكة، لأن همه وإحساسه الوطني يتعدى مسؤولياته المهنية في الصحافة..

وفاة طلعت وفا مثلت لي كارثة شخصية على صعيد علاقتي الحميمة معه، فقد كنا على تواصل تام فيما بيننا حتى ولو كانت المسافة تفصلنا في بعض الأحيان.. وهو أخ وزميل دراسة، وزميل مهنة، وزميل وصديق في كل الأوقات.. ما أحلى أن أسمع صوته في جواله، وهو يعلق بكلمة (كونتشوا) باللغة اليابانية، حيث كان يحاول استنطاقي عن هذه اللغة التي كانت متطلبات دراستي للدكتوراه في الولايات المتحدة وكان يتوقع مني أن أجيدها لكوني فقط درست عدة كورسات فيها.. ولكني كنت أخذله في أني قد نسيت معظم ما تعلمته عن تلك اللغة.. طلعت كان أخاً وصديقاً وهو يعرف عني كل شيء كما أعرف عنه كل شيء، فهو صفحة مفتوحة لا يتعامل بأي ازدواجية في شخصيته..

وبسبب علاقتي الحميمة معه، فقد اخترت اسم ابنته (تالا) ليكون اسما لابنتي، واختلفت معه فيمن يقدم (السماوة)، ولكن اتفقنا أن كابتشينو في أحد كافيهات الرياض يمكن أن يحل مثل هذا الخلاف.. سيترك (طلعت وفا) فراغاً كبيراً في حياتي كما هي في حياة زملاء آخرين، ولكن إرادة الله فوق كل شيء، وهذا ما أراده الله له ولنا..

ولم يبق لنا إلا أن ندعو له بالرحمة وأن يسكنه الله فسيح جناته.. ويلهم أهله وذويه وأصدقائه وزملائه الصبر والسلوان.. وإنا لله وإنا إليه راجعون..

المشرف على كرسي صحيفة «الجزيرة» للصحافة الدولية أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود


alkarni@ksu.edu.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد