Al Jazirah NewsPaper Thursday  08/01/2009 G Issue 13251
الخميس 11 محرم 1430   العدد  13251

اقطعوا ألسنة الشعراء
مهدي العبار العنزى

 

الشعر ديوان العرب وهو السجل النفيس الذي حفظ تراثهم وتاريخهم وآدابهم وأخلاقهم وأنه متحفهم الناطق الذي دونوا فيه أخبار أبطالهم ووقائع بطولاتهم.

ففي الجاهلية كان الشاعر صدى قومه ولسان مجتمعه بإمكانه تعزيز بحقهم أو تدميرها وذلك بصفته وكيل زمنه بكل معنى الكلمة

فأدرك بنو غسان في تخوم الشام وبنو لخم في الحيرة تماما هذا النفوذ الذي يمثله الشعراء وحاولوا اجتذاب مشاهيرهم بواسطة المكافآت والمنح التي كانوا يوزعونها عليهم سعيا وراء كسب تعاطفهم واستحقاق مدحهم واحتراسا من هجائهم ويمكن نعت هذه السياسة بسياسة قطع اللسان!!

والشعر من خلال الشعراء له مكانة كبيرة وهامة ولنا في الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة عندما جاءه الشاعر كعب بن زهير والذي أسلم وطلب من النبي أن يؤمنه فأمنه وقال قصيدته المشهورة والتي مطلعها:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيم إثرها لم يجز مكبول

ثم قصيدة أخرى منها:

من سره شرف الحياة فلا يزل

في ؟؟؟؟؟ من صالحي الأنصار

فكساه الرسول صلى الله عليه وسلم بردة اشتراها منه فيما بعد معاوية بعشرين ألف درهم اشتراها من كعب زهير فهل هناك عطاء أكبر من هذا العطاء وهل هناك تقدير أكبر من هذا التقدير للشعر وأهله من الهادي البشير.

وكما أن محمدا عليه الصلاة والتسليم طلب الجنة للشاعر النابغة الجعدي عندما جاء للرسول وأنشد:

أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى

ويتلو كتابا كالمجرة نيرا

بلغنا السماء مجدنا وجدودنا

وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

فقال النبي: إلى أين أبا ليلى، فقال الجعدي: إلى الجنة، فقال الرسول له: إن شاء الله وإن محمدا لا ينطق عن الهوى.

كما أنه صلى الله عليه وسلم دعا لهذا الشاعر ألا يفض فوه عندما استمع إلى قوله:

ولا خير في حلم إذا لم تكن له

بوادر تحمي صفوه أن يكدرا

ولا خير في جهل إذا لم يكن له

حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

وقد عاش الجعدي عمرا طويلا لم تنقض له سن وهكذا يواصل الشعر والشعراء الطريق وفي هذا العصر نجد أن الشعر فقد مكانته وأصبح الناس كبيرهم وصغيرهم ينظرون إلى الشعر والشعراء نظرة دونية لا تمت إلى قيمة الشعر وأهدافه النبيلة وغاياته بصلة وهذه النظرة الدونية ساهم شعراء هذا العصر بترسيخها فأغلب الشعراء يمدحون من لا يستحق المديح ويذمون من لا يستحق الذم. إننا لا نريد أن يكون هؤلاء الشعراء ككرم حاتم الطائي ووفاء السموأل وشجاعته عنترة بن شداد ولكننا نريد منهم أن يكونوا أوفياء لدينهم وأمتهم يتحدثون عن أمجادها مساهمين في أفراحها وأتراحها ونريد أيضا من أصحاب المكانة وأصحاب الأموال أن يقدروا مشاعر الشعراء الحقيقيين وأن يكونوا عونا لهم على مواصلة الإبداع وسد حاجاتهم وإبعادهم عن الفقر والتسول والذم وبالتالي قطع ألسنتهم بالعطاء ولا غير العطاء وما التوفيق إلا من عند الله.

*شاعر وإعلامي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد