Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/01/2009 G Issue 13249
الثلاثاء 09 محرم 1430   العدد  13249
يوم عاشوراء
علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

 

يوم عاشوراء، الذي هو العاشر من شهر الله الحرام المحرم يوم جليل قدره عند أهل الجاهلية، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإسلام فزاده فضلاً وقدراً، حيث صح في الصحيحين من حديث عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها أنها قالت: (كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه).

فأفاد هذا الحديث مع أحاديث أُخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتحرى صوم عاشوراء قبل بعثته ونبوته، كما كان أهل مكة وغيرهم في الجاهلية يصومونه ويعظمونه وسبب هذه الفضيلة العظيمة والحرمة القديمة ليوم عاشوراء عدة أمور:

الأمر الأول: أن صيامه أعني - اليوم العاشر - كان معروفاً مشهوراً عند الأنبياء.. ويدل لهذا ما رواه بقيُّ بن مخلد في سنده من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي عياض عمرو بن الأسود العنسي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يوم عاشوراء كانت تصومه الأنبياء فصوموه أنتم).

وإبراهيم الهجري ليس بالقوي، في حديثه لين، لكن يقويه ويشهد له ما رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق شبيل بن عوف الأخمسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بأناس من اليهود قد صاموا يوم عاشوراء، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ما هذا الصوم؟ قالوا: هذا اليوم الذي نجّى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرّق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصام نوح وموسى شكراً لله.

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أنا أحق بموسى، وأحق بصوم هذا اليوم. فصامه وأمر أصحابه بالصيام).

وأصل الحديث مخرج في الصحيحين من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما من دون ذكر صيام نوح عليه السلام فيكون هذا اليوم تتابع في صيامه المرسلون من بعد نوح، وبقي لدى أهل الجاهلية مما بقي عندهم من دين الأنبياء قبل النبي - صلى الله عليه وسلم -، لاسيما ولديهم كثير من شعائر الدين باقية فيهم كما هو مشهور عنهم، وكما قرره شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب في رسالته الحافلة كشف الشبهات، حيث يقول - رحمه الله -: وآخر الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - هو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين، أرسله الله إلى أناس يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيراً، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله.. فيكون صيام عاشوراء مما وردهم من شرائع الأنبياء قبلهم، فزادها النبي - صلى الله عليه وسلم - تقريراً وتفضيلاً وتعظيماً.

الأمر الثاني: ما نقله الحافظ بن رجب الحنبلي - رحمه الله - أن دلهم بن صالح الكندي الكوفي قال: قلت لعكرمة وهو ابن عبدالله مولى ابن عباس رضي الله عنهما، عاشوراء ما أمره؟

قال: أذنبت قريش في الجاهلية ذنباً فتعاظم في صدورهم، فسألوا ما توبته؟ قيل: صوم عاشوراء، يوم العاشر من المحرم.

ولقد نقل الحافظ ابن حجر فتح الباري بشرح صحيح البخاري قال: ثم وجدت في بعض الأخبار أنهم - يعني أهل الجاهلية - كانوا أصابهم قحط تم رفع عنهم، فصاموه شكراً فهم تواردوا على صومه وتعظيمه شكراً لله وتعظيماً له، وهو بحد ذاته كاف في مشاركته - صلى الله عليه وسلم - لهم فيه قبل البعثة.

الأمر الثالث: أن أهل الجاهلية أخذوا صومه وتعظيمه عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فشابهوهم وشاركوهم في تعظيمه تأثراً بهم.

وأهل الكتاب لاسيما اليهود كانوا يعظمون عاشوراء في الجاهلية لتعظيم بني الله موسى لما في الصحيحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بصيامه. وفي لفظ البخاري قالوا: هذا يوم صالح.

وكان أمر صومه في أول الأمر على الوجوب ثم نُسخ بفرض صيام شهر رمضان وتأكد صوم عاشوراء لعدة اعتبارات.

1- حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على صومه ومداومته عليه مما يجعل صيامه سنّة مؤكدة.

2- أنه يوم أعز الله فيه التوحيد أذل الكفر بإعزازه نبيه وإذلال فرعون ذلكم الطاغوت الذي عاند الله وجحده ربوبيته ظاهراً لا باطناً، فلما صامه موسى شكراً لله وصامه قبله نوح والأنبياء شكراً. كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه من المؤمنين أولى بأنبياء الله وأحرص على متابعتهم فتأكد عليهم صيامه.

والله عزَّ وجلَّ يقول: { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}.

-3ما ورد من الشكر بصومه، وما رتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - على صيامه من الأجر الجزيل والثواب الفضيل حيث روى مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صيام عاشوراء فقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) ولكنا بحاجة إلى هذا في أدبار عام وإقبال آخر.

4- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدع صيامه حتى مات، ويتأكد هذا بما رواه أحمد والنسائي عن أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها وعن أبيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يدع صيام يوم عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر.

رواه أبو داود كذلك لكن عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمها رضي الله عن الجميع.

هذا وفي حديث عائشة السابق قوله - صلى الله عليه وسلم - .. فلما فرض رمضان ترك عاشوراء علقنا فيه عن سماحة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - قوله: أي سقط وجوب صيامه، وبقي استحبابه، بل هو سنة مؤكدة.. ا.هـ.

* وصيام عشوراء على مراتب:

1- إفراده وحده بالصوم، فهو على فضل صومه لا يليق إفراده وعلقنا عن سماحة شيخنا ابن باز - رحمه الله - قوله: إن إفراده بالصوم مكروه، للنهي عن التشبه باليهود.

2- صيام يوم قبله، فصيام التاسع مع العاشر، وهو الذي تمنى - صلى الله عليه وسلم - أن يفعله إن عاش إلى العام القادم، لكن مات - صلى الله عليه وسلم - قبله.

3- صيام يوم بعده وهو الحادي عشر لئلا يُفرد بالصوم.

4- صيام يوم قبله ويوم بعده، فصيام التاسع والعاشر والحادي عشر لما روى أحمد وغيره عن ابن عباس يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا قبله يوماً، وبعده يوماً.. وفي رواية أو بعده يوماً.

والأمر في الثلاثة الأخيرة والحمد لله واسع، لكن في صيام التاسع مع العاشر أوجب وأكمل لموافقته.

وفي هذه المناسبة لا يجوز أن يتخذ يوم عاشوراء عيداً، لأن هذا فعل اليهود لما روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فصوموه أنتم.

وفيه مخالفتهم فيه حيث خصه بالصوم، والعيد لا يصام، وخالفهم في اعتقاد كونه عيداً إلى كونه يوم عبادة وشكر لله، فشرع فيه الصوم.

كذلك لا يجوز أن يتخذ هذا اليوم وأعني عاشوراء، مأتماً ويوم حزن وبكاء ونياحة لأننا نُهينا عن النياحة والتسخط وشق الجيوب ولطم الخدود والدعوى بدعاء الجاهلية، نُهينا عن ذلك نهياً شديداً.

ولأن هذا كله بدع محدثة في الدين لا أصل لها ولم يشرعها الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - والله عز وجل يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه وفي لفظ مسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

ولم يفعله كذلك أصحابه - صلى الله عليه وسلم - ولا أهل بيته العلماء الفضلاء وإنما أحدثه أهل البدع من الرافضة وغيرهم.

والله نسأل أن يردنا إلى الحق رداً جميلاً، وأن يعيننا على أنفسنا ويمنحنا الفقه في دينه ويرزقنا الثبات عليه، وأن يهدينا صراطه المستقيم، ويتقبل منا صيامنا وسائر طاعاتنا، ويتجاوز عن تقصيرنا وتفريطنا إنه ولي ذلك وهو سبحانه أهل التقوى والمغفرة والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

جامعة الإمام - كلية أصول الدين



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد