Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/01/2009 G Issue 13249
الثلاثاء 09 محرم 1430   العدد  13249
مستقبل الشرق الأوسط بين براغماتية أوباما والحلم العربي - لبتريك سيل
نقل البشير السالمي

 

نشر الخبير الإعلامي المعروف بتريك سيل Patrick Seale في العدد 2496 لمجلة (جون أفريك) الصادرة بتاريخ 22 ديسمبر الماضي تحليلاً سياسياً حول مستقبل الشرق الأوسط بين براغماتية أوباما والحلم العربي، تعرض فيه لرؤيته بشأن احتمالات التغيير، في هذه المنطقة، على ضوء الحدث الأكبر الذي عرفته الولايات المتحدة الأمريكية يوم 4 نوفمبر الماضي، إثر صعود زنجي أمريكي من أصول افريقية وإسلامية إلى سدة الحكم، بعد انتصاره على خصمه الجمهوري ماكاين.

ونظراً لما في هذا التحليل من طرافة وواقعية من وجهة نظر شخصية غربية، رأينا أن ننقله، فيما يلي بدون أي تغيير لمضمونه: (إذا منحتموني أصواتكم يوم 3 نوفمبر، سوف لا نفوز في الانتخابات فحسب، وإنما سنغير معاً هذا البلد، وسنغير العالم كله). هكذا خاطب أوباما الشعب الأمريكي، وهو يخوض حملته الانتخابية، فهل سيحافظ على هذا الوعد الخارق للعادة بعد أن أصبح بيده زمام الأمور؟ إن الدور البطولي المنتظر القيام به من قبل الرئيس الأمريكي الجديد، هو الاضطلاع بتصحيح الأوضاع المنهارة في بلاده وخارجها، والعمل على أن ينسى الجميع جرائم بوش وأكاذيبه، أما إذا أراد الرفع من شأن أمريكا في الخارج، فلا يسعه إلا أن يبادر إلى إجراء مراجعة جذرية للمبادئ والممارسات التي دأبت عليها السياسة الخارجية لإدارة بوش، بما يعني خاصة القطع مع أحادية الرأي وعسكرة المواقف والحرب الاستباقية والوقائية، وبما يعني أيضاً القطع مع وحشية (الحرب العالمية على الإرهاب) وكل الفظاعات والانتهاكات للشرعية الوطنية والدولية ذات الصلة بسجن (أبو غريب في غوانتنامو) وبالعديد من البؤر والنقاط السوداء، حيث دفنت أمريكا عديد الضحايا الأبرياء، في إطار انتقامها الهمجي لأحداث 11 سبتمبر. كما على أوباما أن يحقق أهدافاً أخرى خارقة للعادة، ينقل بها بلاده من حالة الحرب إلى واحة السلام، وهذا يجعلنا نتطلع برغبة جامحة إلى معرفة من سيختاره كاتب دولة للدفاع، إلى جانب الاختيارات العديدة الأخرى التي ستعمد إليها إدارته، في غضون الأسابيع القادمة، تلك الاختيارات التي ستكون مؤشرا للسياسة التي يعتزم انتهاجها. أما بالنسبة إلى العالم العربي، فإن فوز أوباما لا يعني إلا فشل المحافظين الجدد في أمريكا، وكل الذين وضعوا الخطة المشبوهة لغزو العراق وتدميره، كما لا يعني إلا نهاية الجنون الجغراسياسي لأوغاد الحرب، الذين أرادوا إعادة تشكيل الخارطة العربية بالقوة العسكرية بذريعة ضمان الأمن للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

وفي المقابل، حرص المحافظون المذكورون كل الحرص أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة على إنجاح مرشحهم الجمهوري ماكاين، وسخروا ما لديهم من قنوات دعائية لهذا الغرض، مثل مؤسسة Washington for near est policy ومؤسسة weekly Standart, وبقية الأبواق الدعائية المتاحة، متمنين أن يمكنهم فوزه بالرئاسة من الاستمرار في الخط الذي اتبعه بوش.

عهد جديد ووضعية مختلفة جذرياً

كان المتشددون المعروفون بتعصبهم لإسرائيل مقتنعين من أنه ينبغي لتل أبيب أن تعمل على تركيع العالم العربي الإسلامي، كي تضمن سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط، من ثمة كان غزو العراق وتفتيته، وكانت الحملة الشعواء ضد إيران والتحريض على ضربها، أو على الأقل، اخضاعها لعقوبات قاسية تقوض اقتصادها، وكان السعي المحموم إلى عزل سوريا، وتهويل خطر (الإرهابيين) من المقاومين لكل من حزب الله وحركة حماس، لأن هذين التنظيمي تجرآ على التصدي لعدوان إسرائيل واحتلالها. وكان التفاهم حاصلاً بين واشنطن وتل أبيب أن أمامهما عدوا مشتركاً واحداً، يتمثل أساساً فيما يسميانه ب (الإرهاب الإسلامي).

ولكن الوضع صار مختلفاً، بعد صعود أوباما، إذ يستشف من خطابه، ومن خلفيته العرقية النابتة في العالم الثالث ومن جذوره الإسلامية، أنه سيكون له موقف آخر مغاير تماماً لسلفه، إذ أعلن هذا الرجل صراحة أثناء حملته: (بأن أمريكا ليست في حرب مع الإسلام)، وبدا بذلك كأنه عازم على ربط علاقات سليمة مع العالم العربي الإسلامي، ساعياً في ذات الوقت إلى النأي بنفسه، عن القيود والضغوط الإستراتيجية والخلطة أو الطبخة الإيديولوجية لحرب بوش على الإرهاب. لذا كانت إسرائيل البلد الوحيد الذي لم يخفي حرصه على فوز ماكاين، حتى لا تفاجأ بأي تحول في هذه الإيديولوجية.

وهنا نتساءل: عما عسى أن تكون عليه أغلبية أوباما بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط؟ وما عسى أن يبدأ به في هذه المنطقة؟

نرى أن عليه قبل كل شيء أن يفي بوعده فيما يتعلق بسحب القوات الأمريكية من العراق في الظرف الزمني الذي حدده وهو ستة أشهر، وذلك عوضاً عن بعث رافد من القوات العسكرية إلى مستنقع أفغانستان، بل نرى أن المطلوب منه السعي عاجلاً إلى الحصول على وقف لإطلاق النار في هذا البلد، يكون مشفوعاً بتفاوض حاسم ينهي الصراع مع طالبان، ويفضي إلى تشريكهم في الحكومة شرط التزامهم بقطع صلتهم بالقاعدة.

وفي انتظار تحقيق ذلك، ينبغي إيقاف الصواريخ الأمريكية المستهدفة لهذا البلد انطلاقاً من باكستان، ولا سيما أن هذه الصواريخ لن تعمل إلا على زيادة الاخلال بالاستقرار وزعزعته في هذه المنطقة، ولن تزيد إلا من تأجيج الحقد على الولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى أوباما من جهة أخرى أن يبادر بتسوية الصراع العربي الإسرائيلي المزمن بشكل عاجل وجدي، وأن يسجل بهذه التسوية موقفاً رائداً لم يسبقه إليه أي رئيس أمريكي قبله، وهذا يعني تجسيم الحل المتمثل في إقامة دولتين مستقلتين لكل من إسرائيل وفلسطين، كما يعني أيضاً تحقيق سلام عام في المنطقة، يشمل سوريا ولبنان، وكافة البلدان العربية، على أساس مشروع السلام العربي لسنة 2003 وما يتصل به.

ونظراً لما لأمريكا من تأثير كفيل بايقاف دوامة العنف في منطقة الشرق الأوسط، فإن على أوباما الابتعاد عن الانحياز لإسرائيل، ولو دفعه ذلك إلى مواجهة المعارضين، وخاصة مواجهة المحافظين الجدد الذين رغم فشلهم في الانتخابات، ووجودهم خارج الحكم، لم يفقدوا كل أسلحتهم، وفي هذا الصدد لا مناص له من أن يقنع الإسرائيليين بأن الوقت قد حان لإحلال السلام، ولو آل الأمر إلى إرجاع الأراضي المحتلة سنة 1967 إلى أصحابها الأصليين.

برمجة الانسحاب من الخليج

نرى من جهة أخرى، أنه ينبغي للقيادة الأمريكية الجديدة أن تبحث عن مصالحة متأكدة طال انتظارها مع إيران، وجعلها واثقة بأنها لن تكون هدفاً لأي عدوان أمريكي أو إسرائيلي، وبهذا الضمان يمكن أن تقبل بوضع برنامجها النووي تحت المراقبة الدولية الفعلية، وإذا تمكن أوباما من تحقيق ذلك، فإنه يكون قد أنجز خطوة حاسمة نحو الاستقرار الإقليمي، وخصوصاً إذا تم إدماج إيران في منطقة الخليج، عبر معاهدة أمنية بين طهران ومنظومة التعاون الخليجي، وعليه أن يعمل في ذات الوقت على جعل إسرائيل واثقة بأن مصالحها الأمنية لن تقع التضحية بها.

وبعد ذلك، وفي متسع من الوقت، ينبغي لأوباما أن يسحب القوات الأمريكية من الخليج، ويكتفي بالدور التقليدي لبلاده، فيما يخص مواصلة حماية أصدقائها، ولكن بدون أ ن تخلق لها أعداء في المنطقة.

ولعله من نافلة القول التأكيد بأن أمريكا لا تستطيع بمفردها تسوية مشاكل العالم بأسره، إذ ليست وحدها القوة العظمى المطلقة، ولكنها القطب الأهم في عالم متعدد الأقطاب، يضم كلا من الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا والهند والبرازيل وأفريقيا الجنوبية، وحتى العرب (إذا استطاعوا في يوم ما التكتل في جبهة موحدة). ويبقى على أوباما أن يفهم أن موقفاً ليبرالياً بحق هو أمر ضروري لانجاز التغيير، بما يعني إقحام هندسة سياسية عالمية جديدة، تكون فيها القوى الفاعلة ذات أصوات متساوية.

هذا كله لا ينسينا أن الشرق الأوسط ينتظر من أوباما أن يعطيه الأولوية في معالجة مشاكله العالقة. ولكن هناك آخرين يطلبون منه مزيداً من الوقت والطاقة، ويرون أن عليه أن يبادر إلى حل الأزمة المالية العالمية، التي تفرض حلولاً مالية جديدة، كما عليه أن يستثمر بكثافة في ميدان البنية التحتية المتدهورة للسكك الحديدية والسدود والمعاهد والخدمات الصحية الأمريكية، كما يرون أن عليه أن يهتم كذلك بتهديد التقلب المناخي والانتشار النووي وبالأزمة الغذائية، وبالفقر في العالم وبالبحث عن الطاقة المتجددة، وأيضاً البحث عن حل للمعضلة الإنسانية لملايين اللاجئين والأشخاص المهجرين. ولكن هل بوسع أوباما أن ينجح في مواجهة كل هذه التحديات؟ قد يبدو ذلك صعباً، ولكن المتابع لخطابه في الحملة الانتخابية يدرك أن المقاربة السياسية لهذا الرجل ستكون براغماتية ومعتدلة ومتسمة برغبة في الإصلاح والمصالحة، وقد وعد بتعيين جمهوريين في إدارته إلى جانب أنصاره في الحزب الديمقراطي، كما يبدو أنه مصمم على التغيير ولو بعيداً عن النزعة الثورية.

أما المتفائلون في الشرق الأوسط والحالمون بأمريكا جديدة ذات مصداقية ومسالمة وعادلة، وغير خاضعة للتكتلات وأصحاب المصالح الخاصة وضغوطهم المقيتة، فعليهم أن يتذكروا جيداً أن أوباما لم يعد بالتغيير الذي يحلمون به، ولم يعد بالمدينة الفاضلة ولا بالمثالية الطوباوية.

تونس







 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد