Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/01/2009 G Issue 13249
الثلاثاء 09 محرم 1430   العدد  13249
الجوف.. حلوة وزيتون وتاريخ
دهام عواد الدهام

 

كانت هذه الإجازة فرصة لأكون في الجوف.. جوف التاريخ والأرض المباركة بمائها العذب وتمرة نخلتها (الحلوة) وبشجرتها المباركة (الزيتون)، وبعرض وطول تراثها الضارب في عمق التاريخ الإنساني القديم والحديث؛ ابتداء من الاستيطان الأول للإنسان في الشويحطية إلى قصر الأكيدر الواقف شامخاً يثبت مئات من السنين شاهداً على تعاقب الحضارات والزمن على إنسان هذه المنطقة مروراً بقلعة زعبل الحارس الأمين على فلب الجوف (سكاكا) وكأن بناته أرادوا له ذلك من حيث لا أرادوا.

مع ما يصاحب هذه المعالم الشامخة من مكملات حضارية؛ شواهدها -أحافير ونقوشا- سجلت لإنسان الجوف عاشها في أزمان مضت، وقدرة هذا الإنسان على صناعة حضارة كانت يوما تتفرد في محيطها وشاهداً على مقدرة الإنسان على صنع الحياة وعمارة الأرض التي خلقه البارئ عز وجل لعمارتها.

اليوم الجوف الحاضر، هي امتداد لهذا التاريخ العريق من شواهد نهضة تنموية برعاية وتوجيهات حكومة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود كان الإنسان (المواطن) في الجوف هو ركيزتها التنموية والطموح القديم الجديد له في غرس بصمته في خارطة الوطن الحضارية، أليس هذا هو الإنسان الذي كان يتحشر (فتيان وفتيات) في دور طين كي ينهل من العلم (وهذه حقيقة تضرب بكل مقولة أن تعليم المرأة في الجوف لاقى معارضة من الأهالي) حتى ينتقل بك المشهد إلى صرح من صروح العلم غرسها ملك القلوب، ملك الإنسانية عبدالله بن عبدالعزيز المتمثل في صرح العلم الجديد جامعة الجوف.

في المشهد الآخر، وضمن الحياة الاقتصادية والتجارية للمنطقة، وبمباركة من رب العالمين أرض الجوف بركة ونماء وخصبة ومعطاء، ماؤها يتدفق بصفاء قلوب أهلها وعذوبة معشرهم، كانت رسالتها من خلال مهرجان الزيتون الثاني وما صاحبه من فعاليات، هذه الأرض في واقع الأمر سلة غذاء ورافد من روافد أمن الوطن الغذائي بما حباها الله من منتوجات زراعية في مختلف الحقول. وعلى هامش المهرجان تلاحظ أبناء المنطقة وهم يختالون فخراً بأرضهم التي أخرجت هذا الثمر المبارك من تمر زيتون وكافة أصناف الخضر والفواكه والحبوب وما بني عليها من صناعات مختلفة. إلا أن الهم المشترك لهؤلاء والذين يأملون من الجهات المعنية النظر فيه بعين الاهتمام والمتمثل بالتالي:

- دعم مزراعي الزيتون، والذي سيساعدهم على تخطي بعض العقبات التي تعترض زراعته وجنيه وتسويقه حبا أو زيتاً.

- عملية التسويق للمنتجات الزراعية في المنطقة؛ فهم يأملون بوجود شركات أو مؤسسات متخصصة بالتسويق ستعود عليهم بالفائدة التي ستنعكس بالتأكيد على نمو قطاعهم الزراعي؛ مما سينعكس بالتالي على اقتصاديات المنطقة والوطن ككل، كما يرى بعض منهم أن وجود مثل هذه الشركات أو المؤسسات ستقطع دابر تلك العمالة الوافدة المتحكمة بالسوق بطرق نظامية وغير نظامية ويرون الأمل في دور لكل من وزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة الزراعة ووزارة التجارة والصناعة.

كما يأملون من الشركات الموجودة وكبار المستثمرين المشاركة في فرص التنمية عن طريق إيجاد ما يخدم المنطقة من مشاريع ومصانع.

قبل الختام. وعود على بدء وامتداداً للمشهد التاريخي أبدي خالص الشكر والتقدير للأستاذ بدر بن فهد البليهد على جهوده الخاصة في اقتناء والمحافظة على أجزاء من التاريخ المادي والمعنوي للمنطقة ورعايته لهذه الكنوز داخل منزله (كمتحف خاص) يستقبل زواره بكل بشاشة ورحابة صدر، فقد أعجبني ما بداخل المتحف من أثريات ونقوش وأدوات قديمة ومخطوطات ووثائق رائعة والشكر موصول للأستاذ الشمدين في سكاكا والأستاذ محمد النويصر في دومة الجندل اللذين يملكان متاحف خاصة تعج بكل ما هو قيم لم يسعفني الوقت لزيارتها، وكما أهيب بالهيئة العليا للسياحة لرعاية مثل هذه الجهود بالدعم والمساندة الفنية والمعنوية والمادية، والتي أرى أن أمينها المتقد طموحاً ونشاطاً أقدر على تقييم مثل هذه الموجودات والمحافظة عليها، وكم كانت فرصة في زيارتي للأستاذ بدر أن ألتقي الرجل الفاضل أبو سلطان العوذة وحديثه الشيق وقصصه النادرة عن بعض الأحداث والمواقف الانسانية؛ ما أثار في نفسي الحاجة إلى العمل على تسجيل وتدوين ما تكنه وتحفظه صدور هؤلاء الرجال من قصص وأحداث عن المنطقة، وقد انتهزت الفرصة حين التقيت في نفس المكان عضو مجلس الشورى وأستاذ الآثار الدكتور خليل المعيقل الذي حضر مع رفاق كرام لزيارة الأستاذ بدر وحدثته عما يجول بخاطري والذي أسعدني بالقول إن هذه الفكرة قد استعرضت في مؤسسة الأمير عبدالرحمن السديري، وكان لها حيز من الاهتمام إلا أنها لم تنفذ لأسباب حالت دون ذلك، ومن هذا المنبر أناشد القائمين على المؤسسة أو أي مؤسسة أخرى لديها الإمكانات كي تبادر إلى الغوص في عالم هؤلاء الرجال، وهم الآن في الجوف كثر قبل فوات الأوان، ولعلي أشير صراحة إلى النادي الأدبي بالجوف للقيام بهذه المهمة؛ فهي مهمة تسجيل وتوثيق لقصص وأحداث مرت بالمنطقة وحفظها هؤلاء الرجال يقصونها لجيل بعد جيل.

هذه هي الجوف.. ومن خلال جزء من الزمن تبحر إلى عالم فسيح من التاريخ.. والله من وراء القصد.

الرياض



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد