Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/01/2009 G Issue 13249
الثلاثاء 09 محرم 1430   العدد  13249
مجداف
مصانع وطنية مهددة بالإفلاس
فضل بن سعد البوعينين

 

اليوم غير الأمس والغد سيكون مختلفاً بالكلية، وما اتفقنا عليه في الأمس قد لا نتفق عليه اليوم، وربما افترقنا عليه غداً. الأمور تتطور سريعاً، واستمرار الأزمة الاقتصادية العالمية أصبح خطراً يهدد اقتصادات كانت بمأمن من تداعياتها الخطرة. الاعتقاد بسلامة قطاعات الاقتصاد إلى ما لا نهاية أمر يحتاج إلى مراجعة مستمرة للوقوف على دقته. قد يكون الاقتصاد الوطني مؤمن نسبياً من تداعيات الأمور الحادة، ولكن ماذا عن مكونات الاقتصاد؟ الأمر يحتاج إلى وقفة متأنية، وتمحيص دقيق ومراجعة شفافة للكشف عن القطاعات التي بدأت تتأثر فعلياً بتداعيات الأزمة العالمية.

القطاع الصناعي هو أحد القطاعات المتأثرة بالأزمة العالمية، وربما تعرضت بعض مؤسساته الخاصة إلى مشكلات مالية حادة, فعندما تتهاوى الأسعار، وتنخفض المبيعات يصبح الأمر حرجاً على الصناعات الوطنية وإذا ما أضفنا لها خدمة الديون والالتزامات المالية الأخرى يصبح الوضع مأساوياً وأشد قسوة.

فارق كبير بين شركات ضخمة تتمتع باحتياطيات مالية، ومقدرة على توفير السيولة بسهولة، وبين شركات محدودة الموارد، في مثل هذه الظروف الحرجة، إضافة إلى ما تعانيه أصلاً من ضغط الديون المستحقة، وتراكمات الفوائد التي باتت أكبر حجماً من الأرباح، وربما المبيعات.

هذه الشركات الوطنية في حاجة إلى وقفة الجهات المسؤولة، ومساعدتها في تجاوز الأزمة. لا يمكن تركها لمواجهة الظروف الاستثنائية بمفردها، الأزمة العالمية لم تترك كبيراً ولا صغيراً إلا طحنته، وعندما تتأثر هذه الشركات التي يعول عليها الاقتصاد الكثير فإن الخاسر الأكبر هو الوطن، والمواطنون العاملون فيها. بعض المصانع الوطنية أنشئت من العدم، وبعضها أقدمت على توسعات ضخمة لمواجهة الطلب المتنامي على منتجاتها، ولسد احتياجات السوق التي شهدت في الفترة الماضية فجوة حقيقية بين العرض والطلب. تكلفة الإنشاء أو التوسعات مُولت من قبل مصارف محلية وخارجية، وكانت إلى ما قبل الأزمة العالمية ذات جدوى عالية. بنيت الدراسات على وضع السوق المتحفظ، كما أن البنوك اعتمدت في تقييمها القروض المصدرة على دراسات أكثر تحفظاً من دراسات الجدوى التي قامت بها المصانع الوطنية، إلا أن الأزمة العالمية حولت الدراسات المتحفظة إلى دراسات مفرطة في التفاؤل!، وهو ما أدى إلى تكبد المصانع الوطنية خسائر فادحة مع انهيار الأسواق المحلية والعالمية وتدهور الطلب على منتجاتها. تكدس المخزون أصبح كابوساً يرعب ملاك المصانع الوطنية، وانخفاض التدفقات النقدية إلى مستويات متدنية بات يهدد بقاءها. التكلفة الثابتة في بعض المصانع أصبحت تتجاوز إيرادات المبيعات مما أدى إلى الضغط على ملاك المصانع لمراجعة وضعية الموظفين وإمكانية الاستغناء عن خدماتهم. العامان 2007 و2008 كانا كالطعم الذي قاد معظم المصانع الوطنية نحو الهاوية. زيادة الطلب، وارتفاع الأسعار، وشح المعروض في السوق، والدفع نحو تلبية الطلب المحلي رسموا صورة وقتية مفرطة في التفاؤل اعتُمد عليها لبناء خطط إستراتيجية مكلفة لا يمكن تحميل المصانع الوطنية مسؤوليتها بل المسؤولية يفترض أن تكون مشتركة وتتحمل الجهات المسؤولة الجزء الأكبر منها خصوصاً وزارتي التجارة، والاقتصاد والتخطيط، على أساس أنها أكثر دراية بالإستراتيجيات الشاملة والنظرة المستقبلية، وأوضاع الأسواق المالية، إضافة إلى الاحتياجات الداخلية. تعاظم الطلب على المنتجات المحلية قبيل التوسعات الحالية أدى إلى خلق فجوة في العرض، وقفز بالأسعار إلى مستويات خيالية ما ساعد على ظهور الاحتكار ودخول التجار والوسطاء لاقتطاع الحصة الأكبر من أرباح السوق. استنزف بعض التجار والوسطاء الإنتاج المحلي وبدلا من تحويله إلى الأسواق بهامش ربح معقول تم تحويله إلى المستودعات بقصد الاحتكار وطمعا في تعاظم الأرباح. بعض التجار والمصانع الوطنية والوسطاء آثروا التصدير على السوق المحلية لأسباب ربحية صرفة وهو ما قاد إلى شح المعروض في السوق المحلية وساعد في تضاعف الأسعار. تدخل الجهات المسؤولة للمحافظة على المصالح الوطنية بإصدار قرارات لحماية السوق المحلية ساعد في إعادة الأسعار إلى وضعها المقبول إلا أن الأزمة العالمية لقنت المصانع الوطنية درساً لا ينسى في ضرورة تبني سياسات تسعير واقعية، وموازنة السوق بمسؤولية، ومد جسور التفاهم مع المستهلكين من جهة والجهات الإشرافية من جهة أخرى. تصرفات بعض المصانع، التجار، والوسطاء المتناقضة مع المصالح الوطنية، وإصرارهم على رفع الأسعار بصورة دراماتيكية متسلحة بالطلب المتنامي وشح المعروض جعلتهم يدفعون الثمن باهظاً. فالقرارات التنظيمية ومنها منع التصدير، ورفع الحماية الجزئية لم تكن لتظهر لولا التصرفات التعسفية. أصبح الضرر مضاعفاً في الفترة الحالية.

لست بصدد التثريب والتشفي، فيعلم الله أن ما كنت أجده من ألم بسبب تضخم الأسعار، وتحمل المواطنين فوق طاقتهم، وتعرضهم لاستغلال التجار، أجد بعضه اليوم حين أنظر إلى موقف بعض المصانع الوطنية وما تعرضت له من تداعيات خطيرة يمكن أن تتطور إلى مرحلة خروجهم من السوق بخسائر قاتلة. ليس من العدل أن يُثقل كاهل المواطن وهو ما دفعنا إلى المنافحة عن مصالح المواطنين والمطالبة بتدخل الجهات المسؤولة لوضع حد لتجاوزات الصناع والتجار في آن واحد؛ كما أنه ليس من المصلحة ولا العدل أن نقبل بإفلاس بعض المصانع الوطنية أو تكبدها خسائر فادحة بسبب الأزمة العالمية التي لا ناقة لنا بها ولا جمل. المصلحة الوطنية تقتضي الموازنة بين الحقوق والالتزامات وتطبيقها على الجميع. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

أعتقد أن حال بعض المصانع الوطنية وصل حداً لا يمكن القبول به، أو التعايش معه، بل هو في حاجة ماسة إلى تدخل الجهات الرسمية لوقف الموت البطيء، ومعالجة الموقف، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. كما أن مصانع بعض الشركات المساهمة التي ما زالت تحت الإنشاء هي أيضا تعاني من الأزمة وتغير الظروف وتقلبات المستقبل، وتعاني أيضا من عسر القروض وتراكم الفوائد التي يبدو أن مواعيدها ستمدد زمنا طويلاً مرتبطاً بزمن انقشاع الأزمة العالمية واستقرار الأوضاع الاقتصادية ما يعني تكبدها خسائر استثنائية فادحة لم تكن في الحسبان.

هؤلاء هم في أمس الحاجة إلى دعم الدولة، وتفهم حاجاتهم الملحة، وربما تقديم قروض خاصة صفرية لخفض تكلفة التمويل التي يبدو أنها ستأكل الأخضر واليابس قبل أن تتمكن من بيع منتجاتها في السوق. يمكن للحكومة أن تعقد اتفاقيات خاصة مع المصانع المتضررة لتوفير الدعم اللازم لها، ولضمان تقديمها المنتجات للسوق المحلية بكفاءة وأسعار محددة ومثبتة لفترة زمنية قادمة ربما ترتبط بخطة الإنقاذ.

يُفترض أن نتوقف عن ترديد مقولة أننا في منأى عن الأزمة العالمية، فتداعيات الأشهر الثلاثة الأخيرة تفرض علينا مراجعة قناعاتنا، والتعامل مع الأزمة وفق ما تقتضيه الظروف والحاجة أسوة بالدول الصناعية المتقدمة التي هبت لحماية صناعاتها الوطنية وتقديم القروض الميسرة والهبات لها. ننتظر من وزارة المالية، التجارة، الاقتصاد والتخطيط، الغرف التجارية الكثير من أجل حماية المصانع السعودية والشركات التي تعرضت لتداعيات الأزمة العالمية. لا بد من إنشاء غرفة عمليات مشتركة على مستوى وزاري وعضوية مندوبين عن البنوك السعودية، والغرف التجارية وجمعية الاقتصاديين السعوديين لدراسة وضع الشركات السعودية والاقتصاد وتحديد مستوى انكشافهم على الأزمة ووضع خطة إنقاذ وطنية لعلاج المتضررين من الأزمة الاقتصادية العالمية. لا يمكن التعامل مع الأزمة العالمية دون أن يكون لدينا فريق عمل محترف ومتكامل قادر على وضع الخطط الشاملة لحماية الاقتصاد والمصالح الوطنية، ومعالجة الضرر الناجم عن تداعياتها.

خطط التشخيص، الحماية، والعلاج وتكاليفها قد تكون ممكنة ومقبولة اليوم إلا أنها قد تكون مؤلمة، وربما مستحيلة في قادم الأيام.

***



f.albuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد