Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/01/2009 G Issue 13249
الثلاثاء 09 محرم 1430   العدد  13249
الخروج من المأزق العربي..!
د. حسن بن فهد الهويمل

 

لكل عصر آية، وآية هذا العصر (الإعلام) الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الأحداث العالمية إلا قربها للناس بالصوت والصورة حية على الهواء.

فالمعتدي يضبط متلبساً باعتدائه الأثيم، والمهان تسجل إهانته ثم لا يعذر بالإقامة عليها..

.. والنظارة لا تغصّ بهم قاعة، ولا تند عنهم شاشة، بل يشاهدون ما يحدث في بيوتهم وأسواقهم ومتنزهاتهم آناء الليل وأطراف النهار، وهذا التوثيق والتوصيل يقطعان قول كل خطيب، والإعلام الفضولي يضبط المتلبس بخطيئته والمدنس بمهانته، ويقر في الأذهان ما كان، وقد يهيئ التصور لما سيكون، إذ ما من أحد يتابع تعاقب الأحداث في أي بقعة من العالم إلا وله حساباته وتنبؤاته التي لا تخيب.

والمعضلة ليست فيما يقع، ولا فيما يتوقع، وإنما هي في إمكانية التحيز المنجي والتحرف المخرج من المأزق، وفي استباق الأحداث المتوقع وقوعها وفي أسلوب التصدي لها أو توقي خطرها، وما من متابع تخفى عليه الأمور حتى لا يدري ما يضمره الطرف الآخر.

واللعب السياسية التي تحاك خيوطها في ظلمة الليل، قد تتسرب شفراتها للمحترفين والمجربين، وكم من ناصح متطوع يبادر بالإنذار عما يتوقعه، وقد يرسم الخطط لتفادي فداحة ما يحاك في الخفاء. وقد يعلمها الخبيرون بقواعدها وأجوائها ومحفزاتها، ومن اليسير على المهتمين أن يرصدوها، بل ويراهنوا على وقوعها في الزمان والمكان ويعرفوا حجمها وشيئاً من نتائجها، ومكمن الإشكالية في قبول النصح قبل فوات الأوان، وأخذ الحذر، وتفادي فداحة الآثار إن لم يكن بد من نفاذ اللعبة.

وقدر الأمة المؤلم أن زرعت تلك الخلايا السرطانية في جسدها بحيث تظل في دوّامة المشاكل والمأزق.

والمتفق عليه - ربما عالمياً - أن الصهيونية هي أم الخبائث وعلامتها المميزة (إسرائيل) بكل ما هي عليه، وما هي فيه من ظلم وعنف وخيانة للعهود والمواثيق، ولاسيما أنها تعيش عصرها الذهبي فهي قوية بحبل من (أمريكا) وحبل من نظام (ديمقراطي) وعسكرة للذات، ووعي للواقع، رصد لكل تطلباته، ويهدد العالم بوصفهم أقلية خائفة ومخيفة يهيمنون على مفتاحي العالم:

- الاقتصاد

- والإعلام.

وفوق ذلك كله فالأجواء المحيطة ب(إسرائيل) أجواء ملائمة، فالعالم العربي المأزوم يعيش حالة من الضعف والتفكك والتناحر والتخبط السياسي.

والحقد الدفين على العالم الإسلامي واكب اليهود منذ فجر التاريخ الإسلامي متمثلاً في (بني قريظة) و(بني النظير) و(بني قينقاع) ولما يزل اليهود يكيدون للعالم الإسلامي، وتاريخهم القديم والحديث مليء بالمكر والخديعة والتآمر ونكران الجميل، وهذا الذي حمل (هتلر) على القول:

(لقد كان في وسعي أن أقضي على كل اليهود في العالم ولكني تركت بعضاً منهم لتعرفوا لماذا كنت أبيدهم).

وكان يجب في ظل هذه الخليقة أن تكون للأمة العربية مواقفها المناسبة لهذا التاريخ المليء بالمخازي، وليس شرطاً أن يكون الحل بالمواجهة العسكرية وإبادة الشعب اليهودي، ولاسيما أن موقف الإسلام من الأقليات اليهودية يتسم بالتسامح وتمكين اليهود من ممارسة حقهم الطبيعي، كما مارسوه تحت الحكم الإسلامي في الأندلس.

والحل الأمثل رفع الشر وإحباط الكيد (ولا تتمنوا لقاء العدو) وفوق هذا كله وقبل هذا كله البدء بالنفس: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.

فالتغيير السليم لن يكون ابتداء في الآخر ولا منه، وإنما هو في النفس ومن النفس، والنظر المادي البحت إلى الأمور يقطع الصلة بالله وبنصره الذي وعد به، ولأن داء الأمة العربية من ذاتها، فإن معالجة الوضع يجب أن تكون في الذات، من الذات، إذ لو غيرت الأمة ما في نفسها لما استطاع الغرب وربيبته إسرائيل ممارسة أبشع صور الإذلال والانتهاك.

وما تفعله إسرائيل بالشعب الفلسطيني والأراضي الفلسطينية قطرة من طوفان الممارسات الغربية ولعبه القاتلة وغزوه المكشوف، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأناسي والأراضي لن يكون بمجرد إيقاف الآلة العسكرية عن الضرب العشوائي، ذلك أن توقف المحارب الصهيوني من استراحة المحارب لتجهيز ضرب جديدة أكثر إيلاماً وتدميراً، وسلسلة المذابح والدسائس والإذلال المهين لا يمكن تجاهلها ولا استبعاد تلاحقها، ومن الغباء والغفلة أن يكون إيقاف الحرب هو غاية المنى، إذ ما أكثر أن يتدخل الوسطاء ويفكون الاشتباك ثم لا يحملون المعتدي ولا كلمة عتاب، ولا يحتفظ المنتهك بحق المطالبة بحقه، وتلك بعض اللعب التي ألهت الأمة العربية عن ممارسة حقها المهدور.

والأمة العربية تعرف يقيناً أن الترسانة العسكرية المتطورة والتفوق العسكري وقوة الردع حق لإسرائيل وحدها، وهي موجهة ضد كرامة الإنسان العربي وحياته الكريمة حيثما كان، والخطورة ليست وقفاً على الترسانة العسكرية وما تنطوي عليه من سلاح فتاك يقتل النساء والأطفال والشيوخ ويدمر البنية التحتية، ولكنها في كافة المؤسسات الفكرية والمخابراتية المجهزة بأحدث الوسائل والمدعومة بأمهر الكفاءات البشرية من مفكرين وسياسيين وإعلاميين وجواسيس لممارسة الضلال والتضليل والتغرير وافتعال المشاكل وتفجير الأوضاع وتحريض الشعوب على قادتها واستغلال الفتن الطائفية والإقليمية والقبلية وصناعة الطابور الخامس الذي ينخر في جسم الأمة.

إن هناك ترسانة متفوقة ومؤسسات للتخديل وزعزعة الأمن والاستقرار ودعم غير محدود من الغرب ومواطأة مكشوفة من الهيئات العالمية وضعف وتخلف من جانب الأمة العربية، وما لم تتدارك الأمة الأوضاع فإن المستقبل ينذر بالخطر، وإذ تكون لدى الأمة قابلية للاستعمار كما يقول (مالك بن نبي) فإن لديها كوامن البقاء الكريم، ومن أراد العز من غير الإسلام خذله الله.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد