Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/01/2009 G Issue 13249
الثلاثاء 09 محرم 1430   العدد  13249
الحبر الأخضر
القنوت والمظاهرة الدلالة والرسالة
د. عثمان بن صالح العامر

 

المساءات المنصرمة من هذا العام عموماً ومساء يوم الخميس الماضي على وجه الخصوص، لم يكن مساءً عادياً في قاموس الأصحاء، لقد كنت أتابع - مثل غيري كثير - القنوات الفضائية الإخبارية وهي تنقل أحداث غزة المؤلمة أولاً بأول، وفي وسط الأحداث الدامية وصور الأطفال والدمار والشتت الموجع، تساءلت في أعماق ذاتي: عن القضية، عنّا نحن، عن هذه المشاهد المؤلمة التي تحكي غطرسة اليهود والذل الذي نتسربل بها من أخمص أقدامنا حتى مفارق الرؤوس، إلى متى وهي تتكرر أمامنا هذه المشاهد وكأنّ شيئاً لم يكن، ولمن يترك هؤلاء، ولماذا لا ينصرهم إخوانهم العرب والمسلمون؟، أسئلة عدّة لا أجد لها جواباً فألتحف بالصمت المطبق والمخجل في آن؟.. ويستمر النقل وتتوالى الأخبار من هنا وهناك، وينقل المراسلون صوتاً وصورة، ردود الفعل الرسمية والشعبية على هذا العدوان الغاشم، والنتيجة باختصار (ضجيج بلا فائدة)، مؤتمرات، تصريحات، تهديد ووعيد، شعارات ترفع، هتافات تردّد، أصوات تصل عنان السماء، مسيرات بالملايين (جعجعة و لا ترى طحنا) - وأتمنى أن أكون مخطئاً فيما ذهبت إليه في هذا المقام

? عموماً توقّفت عند (القنوت)

الفعل الذي شرعه الإسلام حين النوازل والفتن والثابت في الصحيح، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: (قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ).

قارنت على عجل بين هذا المسلك الشرعي الصحيح الذي يقام في بيوت الله (المساجد)، وبين ما أفرزته الديمقراطية الغربية عندما تدك المنازل، تصوّرت أنّ هذه الجموع المحتشدة من المسلمين عند إحدى السفارات العربية أو بالقرب من بوابة الجامعة الرئيسة أو في ساحة الاحتفالات الوطنية، تصوّرت لو أنهم قاموا جميعاً في بيت من بيوت الله صفوفاً متراصة الذكور أولاً ثم الإناث صغاراً وكباراً رفعوا في صلاتهم المفروضة وعلى وجه التحديد في الركعة الأخيرة بعد الرفع من الركوع، رفعوا أكف الضراعة إلى الله يدعون الواحد الأحد الفرد الصمد بقلوب صادقة ومنفطرة ونفوس موقنة وجازمة بنصر الله وقدرته، قاموا يدعونه سبحانه بأن ينصر المسلمين في غزة ويلعنون اليهود هناك ويدعون عليهم يسمونهم بأسمائهم والكاميرات تنقل والعالم يشاهد والناس تتفاعل، الإمام يدعو ومن خلفه جميعاً وبصوت واحد (آمين) الأكف الطاهرة مرفوعة إلى الله العلي العظيم، ويتكرر هذا الصنيع منا جميعاً خمس مرات في اليوم .. لو أنّ هذا حدث واستمر المشهد حتى وقف العدوان، لكان له أثر علينا نحن قبل العدو، تصوّر أخي القارئ الكريم هذا المشهد، إنّه بحق مشهد يهز، يحرك، وربما يخيف من في قلوبهم هلع، علاوة على أنه أمر مشروع قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية إنه سنة، وفيه امتصاص للشحن النفسية وربط للناس بمن بيده النصر والعزة والجبروت، ويدخل في صميم العبادة الشرعية المفروضة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد