هدف هذا المقال هو اقتراح عدد من الحلول التي تساهم في الارتقاء بجودة الخدمة والإنتاج لدى الطيران الاقتصادي في المملكة المتمثل في شركتي سما وناس فيما يخص المسارات الداخلية وبالتالي إيقاف نزيف وتسرب المال العام وتقوية الاقتصاد الوطني وتشغيل مطاراتنا بالصورة المثلى من جميع النواحي.
لقد انعكس تراجع سما وناس جودة وأداء وبالتالي إنتاجاً فيما يتعلق بالوجهات الداخلية، ويتضح هذا التراجع في إلغاء عدد من الرحلات الداخلية في عدد من مطارات المملكة وتأخير الرحلات، حيث وصلت نسبة الرحلات الملغاة إلى 35% كمطار الملك خالد بالرياض في بعض المطارات خلال شهر واحد، وبعضها الآخر توقفت رحلاتها كمطار الأمير محمد بن عبدالعزيز بالمدينة المنورة، ولربما كان في هذا الإجراء من الشركتين مخالفة للوائح وأنظمة الطيران المدني. ولا شك أن مفهوم وثقافة الطيران الاقتصادي يعنيان توفير وتقديم أجرة سفر منخفضة مقابل التخلص من الكثير من خدمات المسافر التقليدية، ولكن لا تصل إلى إلغاء رحلات أو تأخيرها؛ فهذا خلل واضح في الإنتاجية يترتب عليه أضرار بالصالح العام كتسرب في المال العام وتعطيل لجزء من السياحة الداخلية مقابل الفائدة القليلة لصالح الشركتين إذا ما قورنت بالفائدة المترتبة على تشغيل المسارات الداخلية، ويكفينا كمثال ما صرحت به غرفة أبها التجارية أخيراً لصحفنا المحلية بأن الدخل السياحي لأبها هذا الموسم انخفض إلى النصف؛ فملاك الشقق يعانون من قلة الطلب بسبب قلة الرحلات عبر مطار أبها. هذا فقط مطار أبها, ولا بد أن نأخذ في الحسبان بقية مناطق المملكة التي تعاني من هذا النقص أو الإلغاء كالطائف والمدينة وتبوك والرياض والدمام وحائل وعرعر وغيرها.
مبرر الشركتين السابقتين للقصور الحادث يكون في ارتفاع أسعار الوقود وثبوتية أسعار التذاكر الداخلية، وهذا المبرر هو التحدي الأكبر الذي تواجهه الشركتان حسب تصريح مسؤوليهما، الذي كان قبل أشهر، أي قبل انخفاض سعر الوقود آنذاك، حوالي (140) دولاراً للبرميل، أما اليوم فانخفض سعره إلى حوالي الأربعينات من الدولارات للبرميل، وبالرغم من هذا الحافز القوي ما زال القصور في الخدمة الداخلية للطيران الاقتصادي مستمراً. ويبدو لي أن ربحية الشركتين من الرحلات الإقليمية ل(الدول المجاورة) لا تقارن بأي حال من الأحوال بربحيتيهما من الرحلات الداخلية، بل ربما كانت الفائدة الأولى أضعاف الثانية منطقياً؛ فدفع هذا المبرر بالشركتين إلى زيادة وتوسيع رحلاتهما الإقليمية لتحقيق المزيد من المكاسب المضاعفة، وحتماً سيكون هذا التوسع على حساب الرحلات الداخلية ذات الربحية القليلة؛ لذلك لا بد لهيئة الطيران المدني أن تعتمد استراتيجية تقديم تسهيلات مالية وإدارية مغرية للشركتين فيما يخص الرحلات الداخلية وزيادة الرسوم والضرائب فيما يخص الرحلات الإقليمية لإيقاف هذا التوسع أو على الأقل تقليصه وتشجيع الشركتين على العودة بمحض إرادتهما للمسارات الداخلية؛ فهذه موازنة لربما تكون فعّالة، أو تقديم هذه التسهيلات المغرية سواء مالية أو إدارية التي تكون في متناول وصلاحيات هيئة الطيران المدني للناقل الرسمي (الخطوط السعودية) وتكون السعودية في أمسّ الحاجة إليها لسد الفجوات الداخلية التي خلفها الطيران الاقتصادي، فإن لم يكن فيستحسن إدخال منافس ثالث متخصص في الطيران الاقتصادي يمتلك الخبرة بهذا المجال؛ حيث يمكن فرض العقوبات عليه بموجب اللوائح النظامية وإشراكه في السوق السعودية لتغطية المسارات الداخلية وبالمقابل منحه رحلات إقليمية وتسهيلات مالية وإدارية شمولية حالياً وعلى المدى المتوسط والبعيد.
* ماجستير إدارة وتخطيط المطارات - جامعة لفبرا البريطانية
mohammadaljabri@hotmail.com