لن نبكي على غزة - العزة - لنبكي على أنفسنا وعلى حال أمتنا أولاً.. لن نبكي على من سقطوا من النساء والأطفال والرجال.. فهم شهداء أحياء عند الله يرزقون.. نحن الموتى، نحن من مات فينا الضمير والحس العربي والإنساني.. لا أحد يبكي على شهيد، ولا أحد في غزة يموت ذليلاً رخيصاً.. نحن من نموت عبثاً.
في قطاع غزة حيث تتجه أنظار العالم ويسلط الضوء الإعلامي على ما يحدث من مجازر تزلزل الأعماق ومذابح يعتصر لها القلب ألماً وقهراً.. وصل عدد القتلى إلى 430 قتيلاً حتى لحظة كتابة هذا المقال، وتجاوزت أعداد الجرحى 2200 جريح والبعض منهم يصارع الموت بجراحه الخطيرة.
المضحك المبكي في الموضوع أن ايهود أولمرت صرح بأن الهجوم على غزة مرحلة أولى بين مراحل عديدة وافقت عليها الحكومة الأمنية، أي أن هناك بقية لمسلسل الدم.. قد تكون فعلا هناك مراحل لاحقة أو أن الحكومة الإسرائيلية تلعب بإتقان على الأوتار النفسية للشعب الفلسطيني.. وتصنع حربا نفسية مدمرة.. وهي من تكافح لاسترجاع صورة قوتها العسكرية الأسطورية التي لا تقهر بعد أن مُزقت في حربها مع لبنان في تموز 2006م.
العرب اليوم في حالة ارتباك وعجز مؤلم ومدمر.. وأنا واحدة من هؤلاء العاجزين عن القيام بشيء سوى الدعاء ومشاهدة الأخبار والتحسر أكثر على الواضع الراهن وطرح المزيد من الأسئلة التي لا أجد لها إجابات.
الصمت العربي إلى متى؟؟ والأمة العربية إلى أين؟؟
كم رجلا وطفلا يجب أن يموت؟ وكم سنة يجب أن تفوت؟
كم أسرة يجب أن تدمر؟ وكم كفنا يجب أن يحضر؟ وكم بيتا وكم مدينة يجب أن تعطر.. برائحة الموت حتى نستيقظ من سباتنا الذي دام أكثر من ستين عاما؟
الجامعة العربية تصدر إدانات يائسة والقادة والمؤسسات الصحية والإغاثية تحذر من كارثة إنسانية، والشعوب العربية تترجم غضبها باحتجاجات عاجزة يعلمون أنها لا تسمن ولا تغني من جوع، فمع كل نكبة تخرج الشعوب العربية إلى الشارع غاضبة ومنددة ورافعة الشعارات الثورية في مشهد عاطفي وسيناريو معروف وبعد شهور قليلة ينسون ما حدث وكأن شيئاً لم يكن!.
وكأن ما حدث في غزة لم يحدث في جنين وقانا وصبرا وشاتيلا وغيرها الكثير من قبل.
ربما لمست في مقالي عزيزي القارئ التشاؤم واليأس.. ولكني لا أرى نوراً في آخر النفق، بل إني أرى الانقسام والاتهام.
فأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله خرج من مخبأه في سابع أرض! ليتهم مصر ويطالب مواطنيها بالنزول إلى الشارع والمطالبة بفتح معبر رفح ورفض قرارات الحكومة التي يعتبر أنها تتعامل بسلبية اتجاه الفلسطينيين.. ولكن لا حسن نصر الله ولا غيره يستطيع التقليل من الدور المصري الذي لعبته ولاتزال اتجاه القضايا العربية.. ولا أحد ينكر أن مصر وشعبها قدم مئات بل آلاف الأرواح في سبيل الدفاع عن عروبة فلسطين كما أن النظام المصري لم يلطخ يده بدماء الفلسطينيين ولم يلعب ويستغل التناقضات والخلافات الفلسطينية - الفلسطينية.
والقضية ليست هنا.. القضية في التشتت العربي الذي يظهر على السطح ويُكشف أمام الجميع مع كل أزمة عاصفة تمر على الشعوب العربية، والتخوين والتشهير والاتهام الذي يمارسه السياسيون والمثقفون عبر الفضائيات اللاهثة خلف الإثارة والتي يسيل لعابها أمام التصاريح النارية ضاربة عرض الحائط الانقسام والتشرذم الذي سيحدث من ورائها.
في الحقيقة ورغم السواد الذي يطغى على الموقف.. نجد بعض المبادرات النبيلة.. والوقفات المضيئة، فهناك من يحاول أن يصنع فرقاً في الموقف ويقدم ما يستطيع تقديمه من دعاء أو تبرع بالمال والدم لنصرة هذا الشعب المبتلى، ولبعض القادة وقفات إنسانية من أبرزها قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد لله بنقل المصابين في طائرات الإخلاء الطبي لمدينة الرياض ومعاينتهم ومعالجتهم وتقديم كافة الاحتياجات اللازمة لهم تحت إشراف مباشر من وزير الداخلية سمو الأمير نايف بن عبد العزيز.. (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).
وقبل أن أختم هذه السطور فإن سؤالاً يطرح نفسه هل كل هذا الدمار وهذه المجازر التي تمارسها آلة القتل الصهيونية - بمباركة أمريكية - هي انتقام فقط من صورايخ حماس متواضعة الصنع والتأثير و - التي هي أشبه بالألعاب النارية - ومن قادة حماس وسياساتهم المتعنتة.. أم أنه أكثر من ذلك؟؟ أترك الإجابة لك عزيزي القارئ لتقيم الموقف الوحشي الذي لا تقره إلا شريعة الغاب.
نحن في أمس الحاجة إلى صفوف تتوحد وقلوب تتألم وبالتالي تتعلم..
نحن بحاجتكم يا مليار ونصف المليار مسلم، لنتعامل مع الحدث بجدية ومسؤولية، بالاختصار.. لنتعامل مع الحدث كمسلمين!.
عذرا يا غزة.. القوة والتماسك العربي مغيب تماما عن المشهد والكرامة لن نستطيع أن نعطيكِ سوى الدموع والألم ففاقد الشيء لا يعطيه.. لكِ الله يا غزة.