تطبيقاً لمبدأ العدالة، ومنعاً لإزدواجية الأدوار التي تقوم بها البنوك التجارية، جاء تنظيم شركات الوساطة المالية لينهي فترة طويلة سيطرت فيها البنوك على أنشطة الوساطة المالية من خلال إدارة المحافظ الخاصة والعامة، وتقديم الاستشارات المالية، وفتح صالات للتداول، وتهيئة الشركات لدخول سوق الأسهم، والتعهد بتغطية الاكتتابات ونحوه من خدمات الوساطة والاستشارات المالية.
السماح لشركات الوساطة المالية بالعمل في سوق الأسهم السعودية، هي خطوة نظامية كان الهدف منها إصلاح الوضع الخاطئ المتمثل في إزدواجية أعمال البنوك، فشركات الوساطة المالية تعتبر أحد أهم اللاعبين في أسواق المال العالمية، وعليها يقع العبء الأكبر في عمليات التعامل، والحفظ والإدارة والترتيب، وتقديم المشورة. وهي إحدى لبنات المنظومة المالية المهمة التي يحتاجها الاقتصاد من أجل خلق بنية مالية متينة ومنظمة تتوافق مع المتطلبات العالمية.
هيئة السوق المالية فرضت على البنوك السعودية تطبيق نظام الوساطة المالية، وإشهار شركات وساطة مستقلة تتولى عمليات تداولات الأسهم وإدارة الاستثمار. القرار الإلزامي أدى إلى ظهور شركات وساطة تابعة للبنوك وأخرى مستقلة إضافة إلى شركات صغيرة لم تعرف إلا من خلال إصدار التراخيص الرسمية.
أحسنت الهيئة صنعاً عندما فتحت الباب لإصدار التراخيص بحسب النظام ودون تعقيدات بيروقراطية. فترة التطبيق كشفت عن فارق التجربة، الخبرة، والإمكانيات بين شركات الوساطة. كانت الغلبة ولا شك للشركات التابعة للبنوك التي سيطرت على حصة الأسد، امتداداً لسيطرة البنوك السابقة على سوق التداول، إلا أن اثنتين من شركات الوساطة أثبتتا قوة وصلابة في المنافسة، ومقدرة على الإبداع وتحقيق مكاسب جيدة في سوق ضخمة حديثة التنظيم. الشركات الضعيفة خرجت من السوق تباعاً، كما توقعنا سابقاً، وربما تكون هناك مفاجآت أخرى ناتجة عن تطورات السوق المنهارة.
البنوك السعودية، ورغم تحول عمليات الوساطة، والاستثمار منها إلى شركاتها المالية الجديدة، بقيت تعاني من صعوبة التكيف مع النظام الجديد، ما يتعلق منه بقطاع الاستثمار على وجه التحديد. يبدو أن التكلفة باهظة على الشركات الجديدة ما جعلها تحاول الاعتماد على بنوكها في إنجاز بعض العمليات الاستثمارية. حتى اليوم ما زالت بعض البنوك السعودية تقوم بتقديم خدمات الاستثمار عن طريق الفروع وبواسطة موظفيها لا موظفي شركاتها المالية.
البعض انتقد قرار الفصل الكلي بين البنوك وشركاتها المالية، ورجح أن يكون خيار الفصل الإشرافي، والتنفيذي المستقل تحت مظلة البنوك أجدى في مرحلته الأولى. الجهات التنظيمية تعتقد أنها أعطت البنوك متسعاً من الوقت، وكانت متساهلة معهم لترتيب شؤونهم الداخلية بعيداً عن التعقيدات والصعوبات الإدارية.
من وجهة نظر خاصة يمكن أن يكون لانهيار السوق، وانحسار أرباح الوساطة دور في استمرار تداخل الأدوار بين البنوك وشركاتها المالية، بمعنى آخر، أن الربحية باتت سبباً رئيساً في مخالفة النظام، والتلكؤ في تطبيق بنوده، وبغض النظر عن الحيثيات، فالنظام بات ملزماً للجميع وإن ثَقُلَت تبعاته مؤخراً. إذا استمرت السوق على وضعها الحالي فربما أرغمت شركات قوية على الخروج، أو ربما أوجدت مبرراً للشركات المالية بمخالفة النظام تحت مرأى ومسمع الجهات الرقابية. الأنظمة والقوانين تحتاج إلى تهيئة الظروف المحيطة لتطبيقها، وإنجاحها، وتحتاج أيضاً إلى الحزم والعدل وتحمل المسؤوليات. انهيار السوق، وتسببها في تبخر الثروات ستقود إلى نتائج مؤلمة في قطاعات تنظيمية، كان يُعتقد أنها بعيدة كل البعد عن حركة المؤشر وتداعيات السوق. عودة الروح لسوق الأسهم، وحصولها على دعم الجهات الرسمية، وحمايتها من مستنقع الانهيار الجائر يمكن أن يساعد كثيراً في ترميم تداعيات بعض الأنظمة الرسمية التي حَمَّلَت قطاع الوساطة المالية أعباءً مالية ضخمة دون أن تحفظ لها استقرار البيئة المحيطة، ما جعلها مساهمة، بصورة أو بأخرى، في أي
حالة إفلاس أو خروج قسري من السوق.
***
f.albuainain@hotmail.com