Al Jazirah NewsPaper Saturday  03/01/2009 G Issue 13246
السبت 06 محرم 1430   العدد  13246
صمت أم موت للضمير العالمي؟
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

 

مجزرة إسرائيلية تتواصل فصولها العسكرية الوحشية في قطاع غزة المحتل فيما ينام الضمير العالمي بصمت ودعة على مهدئ مشبوه مؤقت يسمى بمكافحة الإرهاب.

العالم صامت ومتردد وحائر فيما تسهم الدول العظمى في إطباق المزيد من جدران ذلك الصمت على الأفواه مشرعة الأبواب ومضيئة الأنوار أمام إسرائيل لتقتل من تقل من الأبرياء بذريعة القضاء على حركة حماس. تلكم بالفعل رؤية جزئية محدودة لما حدث ويحدث في قطاع غزة.

بيد أن الرؤية الكلية لما يحدث في قطاع غزة من مختلف جوانبها الكمية والنوعية يعد ضرورة حتمية مطلوبة للتعامل مع الواقع الفلسطيني المتدهور بفاعلية وواقعية، أما أن يعول البعض على الصراخ والسباب أو حتى التنظير النوعي لما حدث ويحدث خاصة محاولات الالتفاف حوله بتنميق العبارات وتسييسها، حتما سيؤدي كما حدث في الماضي إلى مخاطر ومساوئ وأضرار الزلل الكبير... هذا هو الحل بل والفرق الشاسع بين السياسة الواقعية والتنظير السياسي المثالي.

الواقع الراهن يؤكد على أن الشعب الفلسطيني عامة وسكان قطاع غزة خاصة في ضائقة إنسانية وأمنية وسياسية خطيرة بسبب الصراع والتعنت والخلاف والعنف الموجود في تلك الساحة سواء كان صناعة إسرائيلية أم فلسطينية. هل يعني هذا الواقع المرير أن تقضي إسرائيل على سكان مدينة غزة بكاملهم من أجل القضاء على حركة حماس؟ هل ترضى حركة حماس بهذا الثمن الخطير من أجل البقاء في كرسي السلطة؟ ومن أجل إطلاق حفنة من صواريخ القسام لا فائدة عملية منها ولا منفعة واقعية للقضية الفلسطينية؟.

القوة العسكرية غير متكافئة على الإطلاق بين إسرائيل وحركة حماس، وانتزاع شعرة من رأس إسرائيل يقابلها أو يتلوها قتل العشرات من الشعب الفلسطيني... فهل يمكن لعاقل أن يقبل ويكتفي أو يقتنع بمثل هذه المعادلة الرعناء؟.

أحداث غزة الدموية من الأحداث الإنسانية المؤلمة التي توضح بجلاء معايير النفاق والرياء والازدواج العالمية، إنها أحداث لا تتعارض وحسب مع جميع القيم الإنسانية الشرقية والغربية، وإنما تتناقض تماماً مع كافة القوانين والتشريعات والأنظمة السماوية والإنسانية خصوصا مع مفاهيم ومصطلحات الحقوق الإنسانية التي يتشدق بها العالم الغربي ويعمل على تطبيقها بمزاجية عنصرية حديثة لم يسبق لها مثيل من قبل.

لهذا السبب تحديدا ضاع الشعب الفلسطيني وضاعت حقوقه بين محارق الأطماع المحلية والإقليمية والدولية سواء كانت حماسية وإسرائيلية، أم إقليمية إيرانية فارسية، أو غربية لدول كبرى تنظر بعين عوجاء واحدة لما يحدث في هذا الجزء من العالم. أيضا ضاعت القضية الفلسطينية بين أطماع ونزعات الفصائل الفلسطينية في ذات الوقت الذي لا زالت فيه تتفاعل أحداثها الدموية بسخونة عالية جداً بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المحتل. صحيح أن الخلاف والعنف كان السمة الغالبة على المشهد السياسي والعسكري الفلسطيني، وها هو يستمر في ذات التوجه وبذات الزخم وربما بشكل أكثر خطورة بعد أن دخلت إسرائيل على الخط لتصفي حساباتها مع حركة حماس مما يعني أن الوضع سيتفاقم ويتأزم أكثر فيما لو لم يتم احتواء مصادر العنف من كلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وخصوصاً الطرف الأخير.

وصحيح أن حركة حماس من جهة، وإيران من الجهة الأخرى ساهمتا في وأد التطورات الإيجابية التي كان من المفترض أن تشهدها القضية الفلسطينية من خلال تفتيت ورفض مساعي السلام العربية والإقليمية والدولية. كما وحرصت كل من إيران وحماس على تفعيل مصادر الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، والفلسطيني العربي بل وتصعيد أعمال العنف والعنف المضاد للساحة السياسية الفلسطينية.

العقبة الحمساوية إذن كانت ولا زالت معيقة لحركة السلام في المنطقة، وهي حركة تحاول إسرائيل تصفيتها وإزالتها بالقوة العسكرية، ومع هذا من المؤكد أنها من الحركات التي لن يكتب لها البقاء طويلا بعد أن تسببت في نكبة الشعب الفلسطيني.

لذا لربما يمكن القول أن ما يحدث في غزة من موت زؤوم لأعداد كبيرة من الفلسطينيين قد تكون حركة الانتفاضة الأخيرة لجميع أطراف العنف فيما لو لم يتمكنوا من وضع حد نهائي وجذري له.

ذلك أن جميع الدلائل والمؤشرات السياسية والأمنية تؤكد بأن العنف خصوصاً العنف الإسرائيلي العسكري ضد سكان غزة لن يستمر طويلا ولن ينجح ويحقق الانتصار المنشود على الرغم من صمت الضمير العالمي، وعلى الرغم من إرادة الدول العظمى الداعمة له، وعلى الرغم من عدم وجود إرادة إقليمية ودولية قوية لوقفه. إنه عنف مكلف باهظ الثمن لا يمكن لإسرائيل أن تحتمل تبعاته ونتائجه خصوصا على المدى البعيد، هذا ما يؤكده التاريخ تحديدا فيما لو تغيرت معادلات القوة الدولية أو الإقليمية.



drwahid@email.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد