من أجمل الحوارات وأمتعها وأكثرها إثارة، ما يدور أحياناً بيننا وبين الأطفال، سواء في البيت أو في المدرسة أو غيرهما، وبخاصة ما يلقونه من أسئلة خلال محاورتهم. |
من ذلك ما دار بيني وبين طفل لا يتعدى عمره سبع سنوات، أصلحه الله وأبناء المسلمين أجمعين، آمين. |
فلقد فاجأني هذا الطفل بأسئلة أخلصتُ في الإجابة عليها، ولم أسفّهه وأستصغره لأني ممن يؤمن بأن الطفل رجل صغير والرجل طفل كبير، دون الخوض في تفاصيل هذه النظرة أو النظرية! |
فإلى حواري مع هذا الطفل الغالي: |
|
- ماذا تقصد بكبير يا بطل؟ |
- يعني أريد أن تصبح يداي كبيرتين ورجلاي، وأريد أن أطول أكثر...! |
- لا، يا بطل هذا ليس هو الكبر المطلوب يا بطل، ليصبح الرجل الذي مثلك كبيراً، فأنت رجل، ويمكن أن تصبح كبيراً دون أن تكبر رجلاك ويداك..! |
|
- الأمر سهل جداً يا رجل! فالمسلم كبير بطاعة ربه سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكبير بحسن أخلاقه، وكبير باحترامه للكبار ورحمته للصغار، وكبير بحب الخير وفعل الخير للآخرين. وإلى هنا كان في ظني أن الحوار سينتهي، ولكن هل لخيالات الأطفال نهاية؟! |
فألقى عليّ هذا السؤال المباغت لي: |
- كيف تقولون لنا كلوا واشربوا المفيد من الطعام والشراب لتصبحوا كباراً؟ فالطاعة والاحترام وفعل الخير لا تأتي من طعام وشراب جيدين!! |
هنا كاد أن يسقط في يدي لولا أن ألهمني الله جواباً لهذا السؤال المفاجئ، فقلت له: يا بطل، يا رجل، يا ذكي، ما شاء الله عليك تبارك الله، وفّقك الله... وكل هذه الجمل مع خروجها بكل صدق مني محبة لهذا الطفل وغيره، إلا أن من أسباب الإكثار منها أيضاً استجماع الإجابة! |
وبعد استجماعها أجبته: يا حبيبي، لقد قالوا لنا عندما كنا صغاراً: العقل السليم في الجسم السليم، فهما متلازمان. |
وإلى نهاية هذه العبارة كان من المفترض أن ينتهي الحوار وينتهي معه المقال أيضاً، ولكن كما أسلفت فإن أسئلة الصغار (المشاغبة) لا تنتهي، فسألني: (طيّب) كثيراً ما نرى مجانين أجسامهم حلوة أحسن من أجسام رجال عقلاء ومحترمين، فكيف هذا؟ |
فأجبته ونحن نوشك على دخول البيت راجعين من المدرسة: |
يا إبراهيم، يا ثمرة الفؤاد (وقد سألني عنها، وأجبته عن معناها). يا بطل يا (أبيي)، يا حبيبي: المجانين لا نحكم عليهم من خلال أجسامهم وهيئاتهم، بل من خلال أفعالهم. |
ولقد سررت أيما سرور عندما أنهى هو هذا الحوار بقوله: صح يا أبي! هذا الطفل هو ابني إبراهيم، وكثيراً ما يدور مثل هذا الحوار مع أطفال أكبر وأصغر منه من طلاب، أو أبناء أقرباء أو أبناء جيران، اكتشف من خلالها مدى سعة أفق هؤلاء الأطفال، وأنهم بلا ريب رجال صغار، فلنحترمهم، ولنحترم ونقدّر أسئلتهم، ولنحسن الإجابة ونصدق فيها. |
|
|
أحبب الطفل وإن لم يكُ لك |
إنما الطفلُ على الأرض مَلَك |
هو لطفُ الله لو تعلمهُ |
رَحمَ الله امرأ يرحمه |
وحديثٌ ساعةَ الضيق معه |
يملأ العيش نعيماً وَسَعَة |
|