كان الشيخ إبراهيم الغيث الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد وصف السينما بأنها (شر) ولا خير فيها، هكذا على الإطلاق، إلا أنه عاد وعقّب في اليوم التالي قائلاً: (نحن لم نقل إننا نرفض السينما، ولكنني أوضحت أنه لم تتم استشارتنا في عدد من المناسبات التي كان طابعها سينمائياً) كما جاء في (العربية نت).
جميل أن يعود المرء عن خطئه، ويتدارك زلات لسانه، وهو أمر يدل على ثقة بالنفس، وتصرف يستحق الثناء على أية حال. غير أن قضية المطالبة باستشارة، أو بالأحرى (استئذان) جهاز الهيئة، تحتاج أيضاً إلى مبادرة (تراجعية) أخرى، طالما أن الشيخ - وفقه الله - لديه من الشجاعة الأدبية ما جعله يعود عن وصفه لها بالشر المطلق.
النظام المعتمد للهيئة من المقام السامي، والذي تعمل الهيئة حسب مقتضياته، لم يشر إلى ضرورة أن (تشارك) هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صناعة مثل هذه القرارات؛ فالذي يسمح والذي يمنع هو (الحاكم الإداري)، المخول - حسب نظام المناطق - من قبل السلطة الحاكمة - أو حسب التوصيف الفقهي ولي الأمر صاحب البيعة - في التعامل في مثل هذه القضايا، للحاكم الإداري - متى ما رأى المصلحة - أن يأخذ رأي الهيئة، ولكن ليس ملزماً بذلك، فإذا أجاز إجراء كانت طاعته واجبة (حكماً)، سواء بالنسبة للهيئة، أو أي جهة تنفيذية أخرى، بمعنى أدق: التشريعات، وكذلك ما يفسح وما يمنع، تأتي من جهات عليا، و(تنفيذها) يجب أن تلتزم به الهيئة هكذا باختصار.
وأرجو ألا يعتبرني الشيخ - وفقه الله - (حاقداً) عندما أنتقده مثلما جاء في الشق الثاني من تصريحه الأخير الذي لم يتراجع عنه بعد، وإنما سأتعامل معه حسب تصريح قديم له بجريدة الوطن في 23 محرم 1428هـ الموافق 11 فبراير 2007م العدد (2326) فتح فيه صدره للنقد عندما قال نص: (رحم الله من أهدى إليّ عيوبي)، ويبدو أنه (تراجع) عنه بعد تصريحه الأخير، حينما وصف من ينتقدون الهيئة بأنهم (حقدة).
فالنقد يا معالي الشيخ ضرورة في عصر الإصلاح، يستحيل أن يتحقق إصلاح دون نقد، وتقويم دون مكاشفة، وتفاهم بين فئات المجتمع المختلفة دون حوار.
ومن يتذمرون من النقد يجب أن يعوا أننا نعيش عصر الإصلاح والتقويم، فكلنا راد ومردود عليه، وليس لأحد عصمة. وأنت - وفقك الله - في مقامك الوظيفي حامل أمانة، إن أحسنت قلنا أحسنت، وإن أسأت قلنا أسأت، ونحن إن أشدنا أو انتقدنا مجتهدون أيضاً، قد نصيب وقد نخطئ، ولا محل (للأحقاد) في مثل هذه الممارسات النقدية، وإنما هي اجتهادات من أناس معنيين بكشف التجاوزات إعلامياً.
ولابد من القول هنا أن كثيراً من المسؤولين لا يفرقون بين نقد أشخاصهم، ونقد أعمالهم، فيعتبرون العمل والشخص وجهان لذات العملة كما يقولون. المسؤول يضطلع بمهام (عملية) تمس المواطن والمقيم معاً، ذكوراً وإناثاً، وبالتالي من حقنا أن نسأل، وننتقد، ونطالب، ونبين مكامن الضعف والاعوجاجات، وفي المقابل ننتظر أن نجد آذاناً صاغية، وإجابات، وإصلاحات، بعيداً عن اتهام النوايا.. إلى اللقاء.