Al Jazirah NewsPaper Thursday  25/12/2008 G Issue 13237
الخميس 27 ذو الحجة 1429   العدد  13237
إضاءات نفسية
الحالة النفسية والجسد
د. محمد بن عبد العزيز اليوسف

زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.

السلام عليكم ورحمة الله

دكتور محمد أردت استشارتك

أنا مقيمة في جدة وقبل قرابة الأربع سنوات أصيب زوجي بسرطان المثانة وكانت حالته غير مستجيبة للعلاج، أصبت حينها بنزيف لم أتمكن من علاجه وبعد أقل من سنتين توفي رحمه الله بعد أن يئسوا من حالته في السعودية وخارجها.

الآن وفاته مضى عليها أكثر من سنتين ولازال النزيف الشديد مستمراً كما هو. عرضت حالتي على أكثر من استشارية ولكن لم أظفر بمن ترشدني لحل يقطع دابر النزيف الدائم الذي قد يصل لعشرين يوما شهريا.

منذ معرفتي بمرض زوجي قاطعت من حولي بشكل شبه دائم، لا أظهر إلا بالمناسبات وإخوتي والمقيمين في الرياض يمر علي سنة وأكثر ولا ألتقي بهم. لا أشعر براحة عندما أجتمع بأحد أو يدعوني أحد إلى مناسبة صغيرة كانت أو كبيرة، وبعد وفاته زاد انقطاعي عمن حولي فأصبح خروجي مقتصرا على العمل والضروري فقط من مشاويري الخاصة والتي لا تنقضي إلا بي.

سؤالي يا دكتور: هل من الممكن أن يكون النزيف الملازم لي بسبب نفسي؟

يئست من الشفاء إلا من ربي وكرهت من حولي إلا المقربين وزالت رغبتي بالحياة إلا في النت فارتباطي بالنت يكاد يكون شبه إدمان.

أعتذر عن الإطالة وأنتظر ردكم وإن طال ارتقابي، حفظكم الله لذويكم ولا ذقتم فقد حبيب.

* الأخت الكريمة أعانك الله على مصابك وأنار بصيرتك لاتباع الطريق الأمثل للتعامل مع مصائب الدنيا بنظرة إيجابية وصبر جميل وفعال.

جوابي المباشر لسؤالك عن احتمالية وجود سبب نفسي لهذا النزيف هو نعم من الممكن ذلك لكن لا يمكن الجزم بهذا قبل اتباع الخطوات المناسبة في مثل حالتك وهي القيام بالفحوصات العضوية المطلوبة أولا، ومن أهمها فحوصات طبيبة النساء والولادة، بالإضافة إلى زيارة استشاري أو استشارية الغدد الصماء نظرا لارتباط نزول الدم الشهري بهرمونات معينة في الجسد.

الحلقة بالغة التعقيد هنا هي ارتباط هذه الهرمونات بالحالة النفسية للمرأة، ولذلك فليس من المستبعد أن تكون حالتك النفسية الراهنة هي العامل الرئيسي في معاناتك العضوية.

لنأخذ مثالا يوضح هذه الفكرة بشكل أكبر وهو حالة ما يسمى بالحمل الكاذب حيث تظهر عند بعض النساء جميع العلامات الجسدية الإكلينيكية الخاصة بالحمل بما في ذلك انتفاخ البطن وانقطاع العادة الشهرية تماما نتيجة نفس التغيرات الهرمونية المصاحبة لحالات الحمل الحقيقي لكن الوضع هنا لا يحدث نتيجة تخصيب بويضة بحيوان منوي كما هو الحال في الحمل الحقيقي بل يحدث نتيجة عوامل نفسية عميقة منها مثلا الرغبة الشديدة المكبوتة في حدوث الحمل، ونتيجة الكبت وعدم التعبير اللفظي عن هذه الرغبة فإن الجسد يتولى مهمة التعبير بالنيابة عن المرأة من خلال ظهور جميع العلامات السريرية لحمل يتضح بالفحص المخبري بعد ذلك أنه ليس سوى حمل نفسي أو حمل كاذب.

أنت هنا امرأة تعرضت لصدمة كبيرة بإصابة زوجها بمرض خطير أدى إلى وفاته، ويبدو لي من خلال رسالتك أنك تعاملت مع هذا الحدث بكثير من التكتم والكبت المشاعري (أي أنك لم تعبري عن حقيقة مشاعرك بشكل منفتح) بدليل أنك ومنذ مرض زوجك اعتزلت المناسبات الاجتماعية تقريبا بل وحتى أقرب المقربين منك ابتعدت عنهم بعد وفاته، أعتقد أن هذا لم يكن اختيارا موفقا على الإطلاق لأن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي عاطفي خلقه الله متفاعلا ومشاركا للآخرين بمشاعره، وهو بحاجة دائمة للدعم ممن حوله، ولذلك جاء مثلا تشريع العزاء في الإسلام كنوع من الدعم وتشجيع أقارب المتوفى للتعبير عن مشاعرهم وحزنهم بالشكل الطبيعي المتوازن فلا مبالغة ولا كبت.

أما الاتجاه المبالغ به لحياة الإنترنت والاقتصار على المشاركة الاجتماعية المحدودة جدا مع الآخرين فأعتقد أنه أحد الأسباب الهامة التي جعلت مشاعرك الداخلية الحقيقية في حالة تصاعد مستمر مع عدم وجود متنفس حقيقي لها. هذا الأمر يمكن التعبير عنه فسيولوجيا بارتفاع متواصل في مستويات الكورتيزون وهو ما يسمى بهرمون الضغط النفسي Stress Hormone والذي بدوره يؤثر في سلسلة من الهرمونات في الجسم منها الهرمونات المسؤولة عن ضبط العادة الشهرية لدى الأنثى. لذا فقد يكون إدمانك للنت كما وصفته هو محاولة لتعويض ما ينقصك من مشاركة اجتماعية لكنها للأسف محاولة ناقصة لأنها كما تعلمين لا تحقق سوى نسبة ضئيلة من التواصل الإنساني الحقيقي مع الآخرين. أعتقد أنك بحاجة لزيارة إحدى الطبيبات أو الأخصائيات النفسيات للحديث عن تجربتك ومشاعرك بشكل أكبر وأكثر انفتاحا ولعلك تجدين فائدة ملموسة من جلسات الدعم النفسي Supportive Psychotherapy وكذلك التنفيس العاطفي Emotional Ventilation وهو الأمر الذي أظنه سيساعد كثيرا في عودة جسدك إلى توازنه الطبيعي مع الوقت بإذن الله تعالى مع عدم إغفال حاجتك إلى استكمال أي فحوصات طبية لم تجر بعد وتغيير نمط حياتك الحالي إلى نظام حياتي أكثر إيجابية وتفاعلا مع الآخرين.

إضاءة

كل عقبة في حياتك يمكن أن تتحول إلى فرصة ذهبية إذا أحسنت استثمارها بشكل إيجابي.

دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض


e-mail: mohd829@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد