من المعلوم أنّ الصين تُعَد المسؤولة عن انبعاث كميات متزايدة من غاز ثاني أكسيد الكربون، في وقت يزداد فيه القلق تجاه تغير المناخ في العالم، فقد صرح كثير من الخبراء أنّ إجمالي انبعاثات الصين الكربونة سوف يتجاوز قريباً - إن لم يكن تجاوزها - ما تبعثه الولايات المتحدة الأمريكية، لتصبح بذلك أكبر دولة منتجة لغاز ثاني أكسيد الكربون. فبالرغم من أنّ المعدل الفردي الصيني هو أقل بكثير من متوسط المعدل العالمي، فالكثافة السكانية المقدرة حالياً بأكثر من 1.3 بليون نسمة هي ضخمة بكل المعايير، وفي ظل تقدم الصين الصناعي وازدهارها الاقتصادي المؤدي إلى تطور المستوى المعيشي بها، فإنّ احتياج الصين للطاقة في ازدياد مستمر، فالإحصاءات تشير إلى أن استخدام الصين الإجمالي للطاقة تضاعف تقريباً خلال العشر سنوات الماضية، حتى غدت الصين في الوقت الراهن ثاني أكبر مستخدم للطاقة في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا ما ألقينا نظرة إلى قطاع الطاقة الصيني، فسوف نجد أنّ الفحم يلبي معظم الاحتياج الحالي من الطاقة، وذلك بسبب امتلاك الصين لثروة طبيعية هائلة من الفحم الحجري، ويبدو أنّ الفحم سيستمر كوقود أساسي في المستقبل الصيني، حيث تفتح في البلاد محطة كبيرة لتوليد الطاقة باستخدام الفحم كل أسبوع. والجدير ذكره أيضاً أنه بعد أن كانت الصين مصدِّرة للنفط قبل 15 عاماً، فقد أصبحت - الآن - تستورد حوالي نصف النفط الذي تستخدمه محلياً لدعم نشاطها الصناعي. وفي ظل احتياجها المتزايد للطاقة، إضافة إلى الضغوطات التي تتعرض لها الدولة لكبح جماح تلوث الهواء الناتج عن نموها، فقد جنحت الحكومة الصينية إلى النظر في مصادر الطاقة البديلة التي تمكنها من مواصلة نموها الاقتصادي والصناعي بأنظف الطرق الممكنة، لذلك فقد سعت الصين إلى الحصول على تقنيات الفحم النظيفة والطاقة النووية، بالإضافة إلى الطاقة المتجددة بأنواعها العديدة والتي بدورها مازالت - للأسف - تحتل جزءاً بسيطاًَ من ميزان الطاقة العالمي. أما في مجال الطاقة المتجددة، فقد وضعت الصين - مؤخراً - وبمحض إرادتها - هدفاً قومياً طموحاً، وهو أن تشكل مصادر الطاقة المتجددة مقدار 15% من إجمالي طاقتها بحلول عام 2020م، أي ما يعادل قرابة الـ400 جيجاواط من طاقة المياه والرياح والطاقة الشمسية المتجددة والصديقة للبيئة. ومنذ وضع هذا الهدف والصين تسعى حثيثاً في تطوير وتطبيق وسائل الطاقة المتجددة حتى أصبحت دولة رائدة في هذا المجال، فقد بينت إحدى الدراسات الدولية التي قامت بمقارنة حجم الاستثمارات الجديدة في الطاقة المتجددة النظيفة أن الصين تتبوأ المركز الثاني في العالم في هذا المجال بعد ألمانيا، وقد توقع الكثير من الخبراء أنه في الوقت الذي عجزت فيه معظم الدول المتقدمة عن الوفاء بالتزاماتها البيئية، فإن الصين مؤهلة لتحقيق هدف الـ 15% قبل حلول عام 2020م، بل إنها لو استمرت بسعيها المحمود في مجال الطاقة النظيفة حتى عام 2050م فقد يصل مجموع ما تملكه من الطاقة المتجددة قرابة الـ30% من شبكة الطاقة في البلاد، وإذا ما تحققت هذه المشاريع الهائلة الحجم في الصين، فإنها قد تنجح بتقليل الانبعاث العالمي لثاني أكسيد الكربون بأكثر من 5 بلايين طن سنوياً، وهو ما يعادل ما تنتجه دولة الصين بمفردها حالياً في العام الواحد. وبالرغم من أن التفجر السكاني والتعطش لطاقة الفحم والنفط بات من سمات الصين البارزة، فإنّ هذا التنين الآسيوي العملاق أصبح - نسبياً - يقود درب استخدام الطاقة النظيفة في العالم. فعلى الرغم من استمرار الزيادة في احتياجات الصين من الطاقة، فقد أصبحت الصين مثالاً يحتذى به للدول المتقدمة منها قبل النامية في تقليل الاعتماد على وسائل الطاقة التقليدية غير المتجددة وغير النظيفة، إضافة إلى دعم وتطوير استخدامات الطاقة النظيفة من أجل تقليل تكاليفها المادية المرتفعة نسبياً حتى تصبح منافسة لتكلفة الطاقة التقليدية المعتمدة على الوقود الأحفوري كالفحم والنفط. قد لا تملك جميع دول العالم ذات الإمكانيات، وقد لا تخضع لذات الضغوطات التي تتعرض لها دولة الصين، ولكن الجميع مقصر والكل مطالب بالمساهمة - قدر المستطاع - في تفعيل استخدامات الطاقة النظيفة التي لا تستنزف الموارد الطبيعية، هذه الموارد التي سوف تحتاج إليها الأجيال اللاحقة التي ستخلفنا كوكب الأرض.
جامعة مانشستر
AlSaleh.Yasser@gmail.com