الرياض - محمد بدير
تفاءل المدير العام ورئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي الدكتور جاسم المناعي بالنتائج الصحية التي سوف تنشأ من الأزمة المالية العالمية الحالية والتي سوف تستفيد منها المنطقة العربية بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص، مؤكداً أن هذه الأزمة سوف يكون لها انعكاسات تساعد في التخفيف من سخونة اقتصاديات المنطقة العربية والخليجية وتوفر البيئة الاقتصادية الصحية التي تجنب اقتصاديات المنطقة الهزات وترسخ نمو وتطور اقتصادي قابل للاستمرار. ولا تقلل الدراسة التي نشرت حديثاً تحت عنوان (ألازمة المالية العالمية.... رب ضارة نافعة) من الأزمة المالية التي تتعرض لها الأسواق حالياً، وخاصة المؤسسات المالية الأمريكية، حيث تعتبرها أزمة مالية كبيرة غير مسبوقة أثارت كثيراً من الذعر والهلع في الأوساط المالية وفي أوساط المستثمرين في العالم أجمع، وتسببت في انهيارات متتالية في المؤسسات المالية، إلا أن الدراسة تؤكد أن فداحة هذه الأزمة سوف تعجل من مراجعة وإصلاح القطاع المالي الأمريكي، والتفكير جدياً في إعادة النظر في كثير من الممارسات التي كانت وراء هذه الأزمة، وإجراء الإصلاحات لتفادي تفاقم هذه الأزمة وتجنب تكرارها في المستقبل، في أمريكا وبقية دول العالم.
وتستخلص الدراسة العديد من الدروس المستفادة من هذه الأزمة، مثل:
أولاً: عدم الاستهانة أبداً بأهمية التقييم السليم لدرجة المخاطر، حيث إن أهم أسباب هذه الأزمة كان التورط في مشكلة قروض الرهن العقاري التي نتجت عن الاستخفاف بالمبادئ الأساسية في إدارة المخاطر، كتوخي الحذر والحرص على توفر الجدارة الائتمانية كشرط رئيسي للإقراض وغيره.
ثانياً: ضرورة عدم السماح بنسب عالية للمديونية في المراكز المالية للمؤسسات أو صناديق الاستثمار، فالمديونية أصبحت في الاقتصاد الأمريكي عملية إدمان على صعيد الاقتصاد ككل أو على صعيد الأفراد أو المؤسسات التي وصلت المديونية في بعضها إلى30 ضعفاً.
ثالثاً: ضرورة الحذر من المبالغة في التعامل بالمنتجات المالية المعقدة مثل المشتقات وغيرها، فالإشكالية التي نتجت عن هذا النوع من المنتجات ليس فقط لكون كثير من المتعاملين بها لا يفهمون ولا يقدرون درجة خطورة هذه المنتجات، بل لكونها كذلك تصل في بعض الحالات إلى مستويات خارجة عن السيطرة.
رابعاً: الحاجة إلى مزيد من الإفصاح والشفافية، فقد كان الاعتقاد السائد أن نقص الشفافية هي من سمات الدول المتخلفة فإذا بنا نكتشف من خلال الأزمة بأن ضعف مستوى الشفافية هو الأخطر لدى الاقتصاديات المتقدمة، فالسلطات الرقابية لم تكن على علم بكامل التزامات ومديونيات المؤسسات المالية.
خامساً: ضرورة أن تعكس ميزانيات المؤسسات جميع التزاماتها حيث أن تمويل حجم متزايد من أنشطة المؤسسات من خارج الميزانية من شأنه كشف الحجم الحقيقي للمشاكل التي تتعرض لها المؤسسات الأمر الذي لا يسمح بالتحكم بها أو معالجتها.
وتأمل الدراسة أن تخرج المنطقة العربية بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص من هذه الأزمة بظروف صحية أفضل مما يساعد اقتصاديات المنطقة على النحو التالي:
- تخفيف الارتفاعات الشاهقة لأسعار النفط لمستويات معقولة ولمصلحة الاقتصاد العالمي واقتصاد المنطقة على حد سواء.
- تخفيف السيولة المفرطة على صعيد المنطقة والتي أدت إلى ارتفاعات كبيرة في الأسعار ومعدلات التضخم وشجعت التفكير في قيام عدد كبير من المشاريع مما أدى إلى الضغط على الطلب على المواد الأولية ومواد البناء مما رفع أسعارها إلى درجة كبيرة أضر بقدرة غالبية الأفراد ذوي الإمكانيات المحدودة والمتواضعة.
- انخفاض وتيرة معدلات السيولة المتوفرة والمترتبة على هذه الأزمة من شأنه المساعدة من ناحية على التخفيف من سخونة الاقتصاد والحد من ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم العالية.
ومن ناحية أخرى فإن انخفاض مستويات السيولة من شأنه تحسين إدارة المخاطر وزيادة الحرص والحذر في منح الائتمان وفي ذلك حماية للمؤسسات المقرضة بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام.
وفي هذا الصدد تشير الدراسة إلى أنه لا يجب أن يتبادر إلى الذهن أن نقص السيولة التي تعاني منها الاقتصاديات الغربية التي تعيش هذه الأزمة هي بالضرورة نفس المشكلة التي تعاني منها اقتصاديات المنطقة العربية، حيث إن المنطقة العربية لا يبدو أنها تعاني من نقص سيولة بل قد يكون العكس هو الصحيح.
ورداً على التساؤل عن انخفاض بورصات المنطقة العربية وهل له علاقة بالأزمة المالية العالمية، تجيب الدراسة بأنه ليس هناك علاقة مباشرة بين الأزمة المالية العالمية وبورصات المنطقة حيث إن الشركات المدرجة في بورصات المنطقة ليس لها علاقة بالمؤسسات الغربية التي تعيش هذه الأزمة، كما أن الوضع المالي لمؤسساتنا حتى الآن لا يشير إلى أية جوانب ضعف تبرر القلق أو التخوف.
وتخلص الدراسة إلى أن الأزمة المالية التي يتعرض لها حالياً القطاع المالي الأمريكي بشكل خاص سوف تؤدي بدون شك إلى مراجعة كبيرة وإعادة النظر في الممارسات المالية التي اعتبرت حتى وقت نشوب الأزمة من المسلمات المستقرة في الصناعة المالية والمصرفية، وقد تؤدي نتائج هذه الأزمة إلى إصلاحات هامة من شأنها تصحيح مسار الرأسمالية وسياسة الاقتصاد الحر بشكل يوفر للاقتصاد العالمي استقراراً مالياً واقتصادياً أفضل.