الكويت - «الجزيرة»
صدر مؤخرا تقرير بيت الاستثمار العالمي (جلوبل) - الكويت حول التوقعات المستقبلية بالنسبة للاقتصاد العالمي، حيث رسم صورة قاتمة للاقتصاد العالمي خلال العام 2009م، بحيث لن يتجاوز معدل النمو عن معدل 0.9% مع تراجع حجم التبادل التجاري بنسبة 2.1% أول انخفاض له منذ العام 1982م.
ووفقا للتقرير، إن اقتصاديات الدول النامية قد تنمو بمعدل سنوي يبلغ 4.5% بينما تتقلص اقتصاديات الدول المتقدمة بنسبة 0.1%. كما يتوقع التقرير أن تشهد اقتصاديات دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نموا بنسبة 3.9% وهو أداء أقل كثيرا عن معدل النمو الذي بلغ 5.8% في توقعات العام 2007م والعام 2008م.
ويقول جاستن لين، كبير الاقتصاديين في البنك الدولي: يقف الاقتصاد العالمي الآن على مفترق طرق، منتقلا من مرحلة النمو المتواصل والقوي جدا الذي شهدته الدول النامية إلى مرحلة من التذبذب مدفوعا بالأزمة المالية التي بدأت في الدول الغنية والمتقدمة والتي بدورها أثرت على جميع أسواق العالم.
وقد جاء هذا التقرير الأخير أكثر تشاؤما بكثير من التقرير السابق، الذي صدر في شهر يونيو السابق حول توقعات البنك الدولي بالنسبة للعام 2009م والتي توقع فيها أن يسجل الاقتصاد العالمي نموا بنسبة 3.0% وأن يبلغ معدل النمو في الدول النامية 6.4% وتضمن التقرير توقعات أكثر سلبية مما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في أوائل شهر نوفمبر، والذي توقع فيه أن يسجل الاقتصاد العالمي نموا بنسبة 2.2% وأن تبلغ نسبة النمو في الدول النامية 5.1%.
يتوقع البنك الدولي تقلص حجم التجارة العالمية بنسبة 2.1% في العام 2009م وللمرة الأولى منذ العام 1982م. ويقول البنك إن الانخفاض المتوقع في حجم التبادل العالمي يعزى بالمقام الأول إلى الانخفاض الحاد في الطلب، حيث من المتوقع أن تفرض الأزمة المالية العالمية انكماشا اقتصاديا في الدول الغنية وتراجعا حادا في الطلب في جميع الدول النامية.
ومع ذلك، ما زالت التوقعات بأنه من المحتمل أن ينجو الاقتصاد العالمي من الوقوع في مرحلة الكساد خلال العام 2009م، وهو حالة من الانكماش والركود لم يشهدها العالم منذ العام 1945م. إلا أن معدل النمو الضئيل الذي لن يتجاوز 0.9% يعد أقل من متوسط معدل النمو السكاني المتوقع أن يبلغ 1.1% خلال الفترة ما بين العام 2005 و2010م وذلك وفقا لتقارير منظمة الأمم المتحدة.
وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فإنه بعد أن سجلت معدلات نمو عالية تفوق 5% على مدى الأعوام السابقة مدعوما بارتفاع أسعار النفط، والتي يقدر معدل نموها بشكل عام بحوالي 7% خلال العام 2008م، من المتوقع أن تتأثر اقتصاديات هذه الدول بشكل كبير بتراجع الطلب على النفط وما يترتب عليه من انخفاض أسعار هذه السلعة الحيوية. وبالتالي، فإنه من المتوقع أن تبلغ نسبة النمو الاقتصادي لها حوالي 4% في العام 2009م.
ثمة حالة شديدة من عدم اليقين تحيط بما ستكون عليه أبعاد هذه الأزمة على الدول النامية. ففي البداية، كانت تبعات الهزات المالية التي شهدتها الدول النامية من الأزمة المالية خلال العام 2007م والنصف الأول من العام 2008م محدودة. ولكن عقب أن اشتدت الأزمة المالية اعتبارا من شهر سبتمبر مع انهيار عدد من أبرز اللاعبين في الأسواق المالية العالمية، والاتساع الكبير والمفاجئ في الفروق بين أسعار العرض وأسعار الطلب على سندات الدين، أدّت إلى تغيير التوقعات بالنسبة للدول النامية، مما قد يؤدي إلى تباطؤ شديد في النشاط الاقتصادي لتلك الدول واحتمال حدوث أزمات خطيرة فيها.
وحتى الآن، كانت الآثار المباشرة للأزمة المالية التي شهدتها اقتصاديات معظم الدول النامية في المنطقة خفيفة نسبيا. فالبنوك وشركات الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم تكن لديها استثمارات كبيرة في سندات الديون المضمونة برهون عقارية ثانوية، وهي والتي أصبحت تعرف ب(الأصول السامّة) (وإن كانت هناك تساؤلات حول هذه المسألة تتعلق بمحافظ عدد من الصناديق السيادية في الدول الخليجية). ولكن، التأثير غير المباشر، على الرغم من ذلك، أصبح واضحا وله نتائج خطيرة. فعقب الإعلان عن خطة الإنقاذ المالي في الولايات المتحدة في أوائل شهر أكتوبر 2008م، اتسعت الفروق بين أسعار العرض وأسعار الطلب على سندات الديون السيادية. وكان للتشديد الكبير والشامل لمعايير الإقراض وارتفاع تكاليف الاقتراض لدى جميع مؤسسات هذه الصناعة أثر بالغ على أسعار العقار. كما أصبحت البنوك تواجه مصاعب كثيرة بسبب أزمة الائتمان العالمية، بعد أن كانت السوق العالمية مصدرا رئيسيا للتمويل. ومع تزايد صعوبة الحصول على الائتمان، تزايدت صعوبات التمويل فاضطر عدد من الشركات إلغاء مشاريعها أو تأجيلها، وتحوّل الوضع إلى سلسلة متشابكة من المصاعب التي أدّت حتميّا إلى انهيار أسعار الأسهم.
وبعد الجهود المتواصلة التي بذلتها البنوك المركزية والحكومات للتصدي للأزمة المتصاعدة واتخاذ إجراءات مختلفة من ضخ للسيولة وغيرها من الخطوات، اتخذت هذه السلطات موقفا حازما بهدف استعادة الثقة في النظام المالي الدولي. ولكن، على الرغم من هذه الخطوات، تراجعت توقعات النمو في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء بشكل كبير لدرجة أنه لم يعد مستبعد سقوط الاقتصاد العالمي فريسة لكساد عميق.
أما بالنسبة للعام 2010م، فيتكهّن البنك الدولي بأن يعاود معدل النمو الاقتصادي العالمي الصعود من جديد ليصل إلى 3.0% على خلفية زيادة حجم التجارة الدولية بنسبة 6،% وفي حين تبدو هذه التوقعات حقيقية نتائج محتملة، إلا أن مجموعة واسعة أخرى من النتائج لا تزال محتملة التحقق أيضا. فالنمو على مستوى المنطقة قد يكون أقل من هذه التوقعات في حالة أن تفاقم وطال تباطؤ اقتصاديات الدول المتقدمة، أما إذا زادت آثار الأزمة المالية عمقا، فقد تحتاج اقتصاديات المنطقة وقتا أطول قبل أن تشهد تحسنا.
لقد جمعت حكومات دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا احتياطيات ضخمة تستطيع استغلالها الآن لدعم اقتصاديات بلادها والمحافظة على استمرارية نموها. وقد ادخرت هذه الحكومات 70% من فائض إيراداتها النفطية على مدى الأعوام الخمسة السابقة، كما تملك الصناديق السيادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما يزيد على 1.5 تريليون دولار أميركي تستطيع تحريكها في هذا الاتجاه. ولذلك، فإن هذا هو الوقت الذي ينبغي فيه على الحكومات توفير دعمها الكامل لإعطاء قوة دفع حقيقية تحتاج إليها اقتصادياتها، وسيكون من شأن هذا التحرك في النهاية خلق مزيد من الوظائف وتنويع الاقتصاديات وتحقيق منافع أخرى كبيرة تحتاج إليها على المدى الطويل. مما لا شك فيه أن هذا سيساعد على استعادة الثقة في السوق ويشكل وسادة قوية تستطيع امتصاص ما يمكن أن يخبئه المستقبل من صدمات وهزات. ومن المؤكد أن ما تم ضخه من سيولة وحوافز مالية سوف يساعد في وقاية زخم الاقتصاد من الانكماش والكساد.