علَّق مجلس التعاون لدول الخليج العربية مفاوضات عقد اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوربي، وأعلن أمين عام المجلس الأستاذ عبد الرحمن العطية في مسقط العاصمة العُمانية حيث يتواجد هناك للإعداد لقمة دول مجلس التعاون التي ستُعقد في سلطنة عمان يوم الاثنين القادم.. أعلن أن من مصلحة الطرفين أن تتوقف المفاوضات.
والواقع أن الأستاذ العطية كدأبه في التعامل كان دبلوماسياً وصاحب ذوق رفيع في القول بأن من مصلحة الطرفين تعليق المفاوضات، إذ إن الصحيح أن من مصلحة دول الخليج العربية، و(كرامة) أهل الخليج وقف هذه المفاوضات التي استمرت أكثر من عشرين عاماً، وكان من المفترض أن تُنجز قبل عقد من الزمن، إلا أن تعامُّل الأوروبيين الفوقي وطيبتنا الخليجية الزائدة عن الحد، جعلت الأوروبيين يؤخرون توقيع الاتفاقية، بل أكثر من ذلك بتضمينها بنوداً وشروطاً تُعد من ضمن (محرمات) التدخل في الشؤون الداخلية منصبين من اتحادهم الأوروبي قيماً على دول الخليج.
والذي نعرفه أن اتفاقية التجارة الحرة تختص في تنظيم العلاقات التجارية والاقتصادية بين دول تجمعين إقليميين هما مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي.
أيضاً نعلم أن ميزان التبادل التجاري بين دول التجمعين الإقليميين يميل، بل يتجه وطوال العشرين عاماً التي كانت المجموعتان تتفاوض فيها لصالح الدول الأوروبية.
أكثر من ذلك تُعتبر دول الخليج العربية أسواقاً مفتوحة للبضائع الأوروبية، وأن دول الاتحاد الأوربي جميعاً تحسن ميزانها التجاري بل وحتى معالجة ما يصيب موازناتها من عجز على حساب الإخلال بالميزان التجاري مع الدول العربية، وبالذات دول الخليج العربية الأكثر قدرة على الإنفاق والأكثر استيراداً للبضائع الأوروبية... والأكثر طيبة في السماح والتغاضي عن حقوقها...!!
والاتحاد الأوربي كان كثيراً ما يقترب ممثلوه من توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع مجس التعاون إلا أنهم وعندما يحين موعد التوقيع يتراجعون عن ذلك، ففي 15 كانون الأول - (ديسمبر) عام 1988 كانوا على وشك توقيع الاتفاقية إلا أنهم تخلوا عن ذلك في آخر لحظة، وعند زيارة الرئيس الفرنسي الأخيرة لدولة قطر، كان مقرراً أن يوقع على الاتفاقية كون بلاده ترأس الاتحاد الأوروبي والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني يرأس الدورة الحالية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلا أن الأوروبيين تراجعوا في اللحظة الأخيرة، وتكشف بينيتا فيريرو المفوضية الأوربية للعلاقات الخارجية أن قضية حقوق الإنسان هي من بين النقاط التي تؤخر توقيع اتفاق التجارة الحرة مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية...!!
هذا القول يصدر من مهندسة العلاقات الخارجية الأوروبية التي تنوي رفع مستوى علاقات اتحادها الأوروبي مع الكيان الإسرائيلي إلى مستوى شريك إستراتيجي واقتصادي، في خطوة تهدف إلى نقل العلاقات بين الاتحاد الأوربي والكيان الإسرائيلي إلى مرحلة ما قبل الحصول على العضوية الكاملة لدى الاتحاد الأوروبي، رغم كل التجاوزات والجرائم والأعمال الإرهابية التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية ضد المواطنين الفلسطينيين، وأمام المحاكم الأوروبية سواء في بريطانيا أو بلجيكا العديد من القضايا المرفوعة ضد كبار المسؤولين الإسرائيليين لتورطهم في ارتكاب جرائم تُصنَّف كجرائم حرب ضد الإنسانية وانتهاك لحقوق الإنسان... ومع هذا يرفع الاتحاد الأوروبي مستوى تعاملاته التجارية وعلاقاته السياسية مع إسرائيل، ويُعطِّل توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع مجلس التعاون الخليجي، كاشفاً عن نفاق سياسي وغطرسة غير مقبولة، مقابل طيبة تصل إلى حد الغفلة من قِبل أهل الخليج.
jaser@al-jazirah.com.sa