قادتني الظروف لدخول منشأة طبية خاصة كبيرة ذات مباني ومرافق طبية وإدارية راقية التي تتميز أيضاً بكثافة غير عادية من المراجعين من المرضى ومرافقيهم، وبقدر إعجابي بالحس الجمالي وبارتفاع مستوى الذائقة الجمالية للقائمين على هذا الصرح الطبي المميز المتمثل في جمالية المباني وجودة تصاميم مرافقه وقاعاته والاهتمام الواضح في جمالية الديكور والتصميم إلا أن ما حز في نفسي أيضاً هو وجود كم كبير من اللوحات الفنية (التجارية) التي زرعت في كل مكان في الممرات وصالات الانتظار للرجال والسيدات وغرف الأطباء والبهو وغيرها، وهي بالفعل لوحات فنية لكنها ليست أصول أعمال وإنما مستنسخات ورقية لأعمال عادية من هنا وهناك.
وهي من اللوحات التجارية التي تعطي اهتماماً غير عادي بالبرواز الذي يأتي مذهباً (ومتعوب عليه) وما حز في نفسي أيضاً أن إدارة هذه المنشأة وهي القادرة بكل تأكيد مالياً على اقتناء لوحة ابن الوطن اتجهت إلى محلات (أبو ريالين) لتأمين ما تحتاج اليه من لوحات تجميلية بما يؤكد المشكلة التي لا زلنا نعاني منها التي سبق الإشارة إليها في أكثر من موقف ألا وهي غياب المقتني المحلي وابتعاده عن اللوحة الوطنية واتجاهه بكل أسف إلى مثل هذه الأعمال الرخيصة التي ربما قد تسيء أكثر مما تنفع!!
وكان حرياً برجال الأعمال السعوديين وأصحاب المنشآت التجارية ومن في حكمهم من المقتدرين أو الأشخاص المنوط بهم مثل هذه الأمور الجمالية أن يبادروا إلى دعم الفنان التشكيلي وتشجيعه والعمل على اقتناء منجزاته والإسهام في بناء مسيرة الحركة التشكيلية السعودية والشيء الأكثر جمالا أن الساحة المحلية تزخر بالعديد من الأسماء التشكيلية من الجنسين القادرين على إثراء اللوحة جمالياً ومضامين وتقنية، خاصة إذا ما علمنا أن الموروث الشعبي السعودي والبيئات السعودية المختلفة مليئة بكل المعطيات الجمالية والثقافية الراقية الموغلة في الجمال فيا حبذا لو بادرت كل الجهات والقطاعات سواء الحكومية أو الخاصة واتجهت إلى الفنان السعودي لتصطاد عصفورين بحجر منها الحصول على أعمال فنية أصلية بأسعار معقولة ومنها دعم المنتج المحلي حتى يصبح (سمننا في دقيقنا) كما يقال. وقد سبق لي ولغيري من أصحاب التوجه الجمالي أن أشرنا مراراً وتكراراً إلى مثل هذا النوع من الدعم الذي يحتاج إليه كل مبدع سواء كان فنانا تشكيليا أو خلافه.. أما أن يظل اللهاث خلف الأعمال (التجارية) الرخيصة التي لا تفي بالغرض ولا تعطي الانطباع الجمالي المنشود فهذا أمر يدعو للأسف..