انفردت بلادنا عن بقية بلاد العالم بوجود جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعل تلك الشعيرة جزءاً مهماً في سياسة الحكم. فقد نصت المادة الثالثة والعشرون من النظام الأساسي للحكم.

على أن: (تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله). فشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمان، وعنوان فلاح، ومظلة واقية. بل إن تثبيت الأمن، وإشاعة الفضيلة، ومنع الرذيلة لا يكون إلا بتطبيق تلك الفريضة الربانية. فجهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهاز فريد متميز، وجزء من المعالم الأصيلة للدولة السعودية، وركن من أركانها.

إلا أن هناك من سعى في الآونة الأخيرة إلى إضعاف جهاز الهيئة، فانتقص رجالها والقائمين عليها، وعدد أخطاءهم من خلال تضخيمها وتعميمها. وتعرض رجال الهيئة لانتقادات في غاية الإجحاف، وكأنهم شر محض. وكتبت مقالات تفتقد الموضوعية، وتبنى بعض الكتاب خطاباً مشبوهاً من أجل ترسيخ صورة سلبية عن الهيئة ورجالها. بل تفنن بعضهم في تلفيق الإشاعات حولها، وجعلوا النيل منها شغلهم الشاغل بعد أن نسبوا إليها ما يحلوا لهم من أخطاء. كل ذلك ضمن صراعات أطياف متباينة في رؤاها تجاه جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومن الإجحاف حقاً مقارنة أخطاء فردية ونادرة وغير مقصودة، أو تصرفات غير صحيحة لا يقرها مسؤول بإنجازات رجال الهيئة، فتقضي أخطاء أفراد على خير عميم، كما لا يصح أن يكون ذلك مدخلاً للقدح في جهاز الهيئة. وفي المقابل، فإن من عوامل النجاح تكريس ثقافة النقد البناء، والمراجعة الهادفة، ومنح الناس فرصة التعبير عن آرائهم، لزيادة الوعي بالنفس وبالآخرين بغية عدم تكرار الأخطاء، والتقليص - قدر الإمكان - من الوقوع فيها، وإيجاد أفضل الطرق لعلاجها. فالناقد المحترف هو الذي ينجح في تحقيق الأثر الإيجابي من خلال النقد.

إن دعمنا لهذا الجهاز العظيم، ووقوفنا معهم ودعائنا لهم لا يتناقض أبدا مع نصحهم، ونقد أخطائهم، ومحاسبة المخطئ نتيجة اجتهاد خاطئ، فليس أحد فوق المحاسبة. ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له وسائله وطرائقه، فإن حاجتنا مهمة إلى تدريب أعضائه، وتثقيفهم، والارتقاء بمستواهم المهني لمواكبة الأحوال المتغيرة والاحتياجات المستجدة. كما أن الرقي بالمهارات الإنسانية والتأكيد عليها كالتحلي بالحكمة والرفق الجميل، واللين والستر الكريم، والموعظة والتحري الدقيق مطلب مهم، وفق المنهج القرآني : (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً).