Al Jazirah NewsPaper Friday  19/12/2008 G Issue 13231
الجمعة 21 ذو الحجة 1429   العدد  13231
حولها ندندن
اختزال المشاعر
د. جواهر بنت عبدالعزيز آل الشيخ

في بداية ظهور تقنيات الاتصال الحديثة فرح كثير من الناس بطرائقها المدهشة في بث وسائل التواصل بينهم، ومن ضمنها رسائل الهاتف الجوال التي توصل التهنئات والتحيات والسلامات بين الأهل والأقارب والأصحاب والزملاء والجيران بسرعة ويسر، وكان لها كلها بريق يثير السعادة والحبور لدى قارئها، بل إن البعض يقرؤها بفخر واعتداد على من حوله من العائلة والأحباب، حيث كان لها طعم ومذاق في ألفاظها ومعانيها، وبالتالي تأثيرها النفسي.

ولكن كل شيء زاد عن حده ينقلب إلى ضده كما يقال، حيث أصبحت هذه الرسائل تكاد تكون هي الوسيلة الوحيدة في التواصل بين الناس، فاكتظت الهواتف الجوالة بالرسائل التي تصل أحياناً للمئات في مواسم الأعياد والمناسبات الدينية المتعددة، حتى أضحت هدفاً بحد ذاته، وأصبح الرد عليها يكاد يمثل عملية شاقة لكل شخص، والبعض صار يؤديها مجرد مجاملة وحياء وتأدية واجب رسمي.

ليس معنى ذلك أني أطالب بالتوقف عن التواصل المباح الجميل عبر الجوال، لكن المفترض أن لا يكون هو الوسيلة الوحيدة في التواصل بين الناس لا سيما الأرحام والأقارب والأنساب والجيران، وأن يكون فيما عدا ذلك بشروط، كأن يكون وسيلة اعتذار مؤقتة للمتقاطعين عمداً أو الذين سرقتهم معاناة الحياة، ولكن ليست وسيلة دائمة يكتفي بها عن التواصل الحقيقي.

كما أن رسائل الجوال قد تكون وسيلة بين أناس متباعدين ابتعاداً مؤقتاً كزملاء وزميلات العمل في الإجازات والأعياد، وما أشبه ذلك، لكن يجب ألا تكون غاية بحد ذاتها، وليست مجرد وسيلة تغني عن التواصل الذي جعله الله عبادة يدخل صاحبها نعيم الجنة ويرمي قاطعها في عذاب جهنم.

لقد فقدت تلك الرسائل بريقها، حيث أصبح كثير منها سجعاً مرصوصاً متكلفاً ومكروراً، يفتقد الحياة فصارت الرسالة الواحدة تتكرر من عدة أشخاص، حتى أصبح الناس لا يقرئونها ويكتفون بمعرفة اسم مرسلها كي يردوا عليها برسالة أخرى أرسلها لهم شخص آخر، وهكذا أصبحت العملية آلية فقدت كثيراً من تأثيرها الوجداني الحميم.

والأشد غرابة من كل هذا إذا لم يظهر اسم المرسل لدى المرسل إليه لأي سبب كان، ثم يضطر المرسل إليه أن يعرف من هو المرسل أو من هي المرسلة، فلا يرد صاحب أو صاحبة الرسالة على المكالمة، وكأنه يقول للمتصل: قف عند حدك، فأنا أريد أن أراسلك فقط واحمد ربك على الرسالة، وليس لدي وقت لأضيعه في مكالمتك مهما كانت قصيرة وضرورية؟!

فأي اختزال هذا للمشاعر الإنسانية؟ وأي نحر لها ينقلها من نبض الحياة إلى جفاف الجماد؟ إن أخشى ما أخشاه هو أن تصل هذه الطرق الآلية الجامدة إلى أصحاب المنزل الواحد، فيتحادث الزوجان والأبناء بنفس طريقة رسائل الجوال كتلك الطرفة التي تقول: إن أحد الأزواج تخاصم مع زوجته يوماً فكتب لها على ورقة: أيقظيني الساعة السابعة، ولكنه صحا من النوم متأخراً مذعوراً الساعة الحادية عشر وقد وجد بجانبه ورقة أخرى من زوجته مكتوب فيها: استيقظ الآن الساعة السابعة!

أو ليس الود بالود يغري، والجفوة تعلم الجفاء؟



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 9701 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد