Al Jazirah NewsPaper Friday  19/12/2008 G Issue 13231
الجمعة 21 ذو الحجة 1429   العدد  13231
عقوق متبادل بين الآباء والأبناء وتقطيع لصلات الرحم 1-2
د. اعتدال بنت عبدالرحمن حجازي *

وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا(23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} صدق الله العظيم.

هذا الأمر الرباني نقرأه ونستوعبه ولكن كم هم الذين يطبقونه عملياً؟ إن ظاهرة عقوق الأبناء للآباء أصبحت وجعاً في نسيجنا الاجتماعي وهي تستشري لأن المتضررين لا يملكون وسائل الشكوى منها، فمن هم في دور العجزة ومنسيون من قبل أبنائهم الذين يملكون صلاحية محاسبتهم!، ومنهم من هو محتجز في منزله أو في غرف صغيرة جداً في حدائق منازل الأبناء العاقين.

لقد انتشرت في الآونة الأخيرة جرائم الانتحار وقتل الأقارب وذوي الأرحام وأصبحت في الحقيقة مشكلة تشغل البال. إن هذه القضية الخطيرة التي تمس أبناء اليوم وسواعد الغد لم تعد أمرا يمكن تجاهله بل تتطلب من الجميع والمؤسسات بكافة أنواعها التصدي لهذه المشكلة بأسلوب علمي. لقد فقد كثير من الأبناء ضمائرهم وأحاسيسهم الإنسانية بل أبجدياتهم الدينية وبتنا نرى من يقدم بكل جسارة وتحجر وجحود على إزهاق روح أبيه وأمه وسفك دمائهم أو دم أحدهما، وكل بطريقته الخاصة، وهما اللذان أسبغا عليه على مدى سنوات طويلة من حبهما وحنانهما حتى كبر وأصبح فتى قادرا على التجاسر على قتل أبيه أو أمه!!

كيف يتحول حب كبير إلى جحود مرير مع مرور السنين؟ قلوب تنمو على فطرتها الحنونة ولكن سلوكيات مكتسبة تؤثر عليها لتقلبها إلى كراهية وسوء معاملة وقسوة جفاء. كيف يتخلى الأبناء عن الوالدين في مرحلة الكبر؟ إن مثل هذه التصرفات التي تسمى عقوق الأبناء ليست وليدة ساعتها بل هو انعكاس لأسباب عدة يتعرض لها الابن من الصغر تؤثر على أفعاله فيما بعد.

يرى الكثير من علماء الاجتماع وعلم النفس أن العديد من الآباء لا يدركون كيفية التعامل مع أبنائهم منذ الصغر، ولا يعرفون أن العلاقة بينهم يجب أن يسودها الحب والوفاق والتسامح، وليس السيطرة وإلقاء الأوامر، فيعنفون الطفل منذ صغره، ثم يسألون: (لماذا ابني عاق؟)، يتشاجران معه ويطردانه من المنزل أو يتركانه لتتولى تربيته الخادمة والشارع وأصدقاء السوء، ثم يتعجبان لتصرفاته العدوانية وغير المبالية!

لذا يتردد السؤال: ما هي الأسباب التي تدفع الأطفال إلى العقوق؟

- إن البيئة المنزلية بشكل عام، ونقص الدفء الانفعالي بصفة خاصة لا شك من الأسباب الرئيسة في ذلك.

- يلعب التفكك الأسري والخلافات وزواج أحد الوالدين دوراً في تغير سلوك الأبناء، وخصوصاً إذا كانت الخلافات تحدث أمامهم وبصفة مستمرة.

- إن العلاقات السطحية بين الوالدين داخل المنزل تنشئ نماذج سلبية من الأبناء.

- من أكثر الأساليب التربوية الخاطئة انتشاراً في مجتمعنا، هو عدم التدرج في التعامل مع أبنائنا، فعلى الآباء الانتقال من أسلوب إلى آخر بمرونة وتأن ومثابرة، فإن لم ينجح فاعتماد أسلوب آخر.

- من الخطأ اعتماد أسلوب تربوي واحد مع جميع الأبناء، خصوصاً في عقابهم، فلكل طفل ردة فعل مختلفة، إذ قد يكتفي أحدهم بتجاهل التصرف الخاطئ، ولكن قد تكون نظرة العتاب رادعة للبعض الآخر. ويجب أن ننبه الطفل إزاء التصرف الخاطئ بالكلام الحازم.

- إن عدم المساواة بين الأطفال هو الأسلوب التربوي الذي نهى عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم: حين قال: (اعدلوا بين أبنائكم)، وكررها ثلاثاً. لذا يجب ألا يتم تفضيل أحد الأبناء في تقديم الطعام أو الملبس أو حتى إظهار العاطفة أو الحنان، علماً أن أول بذور الحسد والحقد بين الأبناء تتكون نتيجة هذه السياسة التربوية الخاطئة.

- إن تأنيب الولد وتحقيره أمام الآخرين، وبصفة مستمرة، خلال مراحل عمره بدون مراعاة لنضوجه ونمو شخصيته لا يمكن أن يؤدي إلى النتائج المرجوة، علماً أن هذا أسلوب تربوي خاطئ، ويجب ألا نلجأ إليه في أي حال من الأحوال.

- يسيء بعض الآباء استعمال مبدأي الثواب والعقاب، فليجؤون دائماً إلى العقاب ويهملون الثواب، فنجدهم ينهرون الطفل ويسارعون إلى عقابه حتى لو أمام جمهور من الناس بحجة أنهم يخجلون من تصرفاته المشينة. ولكن بالمقابل لا يفتخرون بتصرفاته الحسنة، علماً أنه من غير الممكن أن يكون الطفل سيئاً في جميع الحالات. لذا علينا مكافأة الطفل على تصرفاته الحسنة وعدم اللجوء إلى العقاب سوى عند الضرورة.

- إن لجوء الآباء إلى وسيلة التعنيف الجسدي (الضرب) لتقويم كل خطأ يقترفه الطفل، يترسخ لديه على مدى الحياة، ويحفر في ذاكرته.

- التدليل الزائد أو التشدد الزائد، فقد يفرط بعض الآباء في تدليل أبنائهم ما يفقدهم احترامهم وهيبتهم ومكانتهم لدى الأبناء. بالمقابل، وقد يكون الآباء على درجة من القسوة تنفر أبناءهم منهم وتدفعهم إلى عصيانهم.

- السباب واستخدام الشتائم في مناداة ومعاملة أطفالنا مع عدم الاهتمام بهم وترك مسؤولية تربيتهم إلى الخادمة، فيتعزز لدى الطفل الشعور أنه ليس بحاجة إلى والديه، وأنه بإمكانه العيش بدونهما.

- في بعض البيوت فقدت التربية كثيراً من تأهيلها للمرء بسبب غياب الأب وخروج المرأة للعمل وأصبح القصور واضحا في رعاية الأبناء.

- ضعف أو انعدام الوازع الديني والأخلاقي.

- الثقافات العالمية الوافدة لاسيما الغربية تساعد بشكل ملحوظ على الانحراف لدى كثير من الأبناء.

- قصور أجهزة شغل أوقات الفراغ.

- تفشي الأخلاق غير الحميدة في محيط الأسرة من خيانة وكذب وغش وإفشاء الأسرار يؤدي إلى مفارقة الأخلاق الجماعية.

- البطالة والإدمان وأصدقاء السوء.

- فقد الشباب عنصر الأسوة الحسنة القدوة وهي الطريق الوحيد للحماية والنشأة الصالحة.

هذه كلها أسباب مسؤولة عن عقوق الأبناء.

* عميدة كلية التربية للبنات بالأحساءالأقسام العلمية



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد