Al Jazirah NewsPaper Friday  19/12/2008 G Issue 13231
الجمعة 21 ذو الحجة 1429   العدد  13231
أفغانستان وباكستان: المعادلة الصعبة!
د. عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ

الدول الثلاث من الغرب إلى الشرق: أفغانستان، باكستان، الهند، دول من الوسط الآسيوي بينها قواسم مشتركة: الموقع، الجغرافيا، التاريخ الاستعماري، سواء أكان استيطانيا أم احتلاليا، يضاف إلى ذلك صراع طائفي أيديولوجي. هذه الدول، وما فيها من أحداث وصراعات، .....

......تلعب أدوارا في متغيرات دولية، أو ما يمكن أن يطلق عليه (الشرق في مواجهة الغرب)، ليست مواجهات اقتصادية، بل جيوبولوتيكية وجيواستراتيجية.

معرفة المعادلة تكمن في النواحي الجيوبولوتيكية والجيواستراتيحية (الجغرافيا والسياسة والاقتصاد)، لو أخذنا باكستان الواقعة بين أفغانستان في غربها والهند في شرقها، وجيشها البالغ النصف مليون، مع بيروقراطيته، بلد لا يخشى عليه من التفكك، على الرغم مما يبرز للعيان، بلد ليس كالصومال أو السودان، الغرب يحسب له حسابا في توازن القوى في وسط آسيا، مضافا إلى ذلك سلاحها النووي. وفي الوقت ذاته هنالك مؤشرات لتدهور الحكومة في مناطق منه، في البنجاب وفي بلوشستان، المقاطعتان اللتان تشكلان مجتمعتان ما نسبته (69 في المائة) من المساحة الإجمالية و ما نسبته (60 في المائة) من إجمالي السكان.

أما على الحدود مع أفغانستان فهنالك تضاؤل في قوة الدولة، حالة من عدم الاستقرار الأمني والاجتماعي، مدينة بشاور الذي يتراوح سكانها ما بين 4-5 ملايين، مسيطر عليها جزئيا من قبل طالبان (الباكستاني)، يختطف فيها الدبلوماسيون والصحفيون والأطباء، في عام 2008، بلغ مجموع المختطفين، من فئات المجتمع المدني 130، ويطلب الخاطفون فدية مقابل إعادتهم إلى ذويهم، وطالبان الباكستاني من البنجاب. القضية أن أي تدهور في الباكستان، بالنسبة لأمريكا، وإدارتها المقبلة بقيادة أوباما، ستكون أعظم من حال أفغانستان، وستتصدر قائمة أولوياته.

والسؤال الملح: هل سيعمل أوباما شيئا مختلفا عن الإدارة الأمريكية السابقة أخذا في الاعتبار أهمية باكستان في المعادلة الأفغانية؟ باكستان قوة نووية، وضمن جيشه لا يوجد الكثير من الموادين للأمريكان منذ الحرب الباردة، من أربعين عاما، وفي ثلث الباكستان لا يوجد في الوقت الحاضر قانون أو نظام، وهذا الثلث الذي يهيمن عليه طالبان الباكستاني ينسق مع طالبان الأفغاني ومع القاعدة، ولهذا السبب فالمسألة أقل ما يقال عنها أنها معقدة. أما التنسيق مع طالبان في أفغانستان وفي باكستان، من ناحية ومع القاعدة من ناحية أخرى فيشمل: التدريب واستعمال الآليات في المناطق الجبلية، ويدرب الشباب (ما بين 13-15 من العمر) على أيدي قواد من طالبان الأفغانية والباكستانية.

هنالك أمور لا بد من أخذها في الاعتبار في المرحلة القادمة لحل المعضلة الأفغانية، ملتصقة بها الباكستانية، منها: شمولية الحل لهذا البلد وما يجاوره من بلدان، المساعدة الاقتصادية، ومحاربة الفساد بكل أنواعه، وبناء الجيش الأفغاني هذه الأمور لا بد من عملها ويمكن أن تكون متزامنة مع المفاوضات مع طالبان. لابد من القول: أن ليس جميع طالبان ينتمون إلى أيدلوجيات معينة يحاربون من أجلها، هنالك من يحارب دفاعا عن أهله وبلدته، فقد قتل الأبناء والبنات ودمرت البلدات، يمكن التفاوض مع الذين يودون عودة الاستقرار إلى قراهم، ويشكل هؤلاء نسبة لا بأس بها.

بقي التعريج على قوات التحالف والمتحالفين الرئيسيين مع أمريكا: إسبانيا وألمانيا وإيطاليا والسويد، والدانمرك. هذه الدول، فيما يظهر، لن تقول لا ل أوباما عندما يطلب منهم تعزيز أو إرسال مقاتلين إلى أفغانستان. المتوقع أن تعزز أمريكا من قواتها في أفغانستان وتطلب من قوات التحالف الشيء نفسه وسوف تكون مستعدة للتفاوض مع طالبان في الوقت ذاته. ستكون المسألة الأفغانية من أولى مهمات جو بايدن مساعد الرئيس المنتخب الذي سيطلب من دول التحالف المزيد من القوات لتعزيز مشاركتها العسكرية في أفغانستان، أو ليس هذا الحشد الذي يسمى ب(قوات التحالف) هو في واقع الأمر في معظمه: (الناتو) مقابل طالبان؟

أما طالبان الأفغان فلأنهم يعلمون أن الأمريكان قادمون فسيعملون على كسب مساحات أكبر من الأرض، وسيركزون على السيطرة على البلدات، أما المدن فستتمركز فيها قوات التحالف. وبالنسبة لطالبان الباكستان التي تعمل على الحدود الغربية لباكستان فيحتاج الأمر إلى تهدئة الوضع بين الباكستان والهند ليمكن نقل الجنود من الحدود الشرقية مع الهند إلى الحدود الغربية مع أفغانستان، المسألة كما ذكر سابقا، مسألة لا تخلو من التعقيد. وفيما يتعلق بالضربات الصاروخية على التخوم الشمالية الغربية من باكستان فإجراء يلحق أضرارا فادحة بالسكان المدنيين في هذه المناطق، والرئيس زرداري يمارس مشية التوازن على حبل بين شاهقين فيما يتعلق بهذه القضية.

أخيرا هنالك من يقول بأن ثمة خطة لتفكيك باكستان، وتلكم تأخذ نظرية المؤامرة، كما يقال أكثر من الخطة المحتملة التنفيذ، والسبب أن ذلك يجعل من الهند، القوة المناوئة للصين في وسط آسيا، ولكن ذلك يضعف من الموازنة بين القوى في المنطقة، وسيزيد من الصراع فيها. وقد تكون الفكرة مشاعة ضمن الجيش الباكستاني إذ إن نظرية المؤامرة تخرجهم من الحرج لشعور بأن تلكؤهم في التعامل مع طالبان الباكستان قاد إلى تعقيد في الأمر، ولم يعد أمامهم إلا القول بأن توقيع الاتفاق النووي بين أمريكا والهند مؤخرا ما هو إلا إشارة إلى انحياز أمريكي ليس في صالح الباكستان. أما البديل الآخر الذي قد يكون في صالح الأمريكان، فيما يتعلق بأفغانستان، هو المصالحة الهندية - الباكستانية التي ستمكن باكستان من نقل قواتها إلى حدودها مع أفغانستان. والمصالحة بين الهند والباكستان تعتبر في صالح البلدين إضافة إلى بقية الدول المجاورة، أما الصراع بينهما فلن يكون إلا لصالح من يحاول الاصطياد في الماء العكر. ومن له مصلحة في ذلك فإن أحداث مدينة مومباي مؤخرا ما هي إلا إضافة لمشكلات ذات طبيعة تراكمية بين الهند وباكستان.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد