Al Jazirah NewsPaper Friday  19/12/2008 G Issue 13231
الجمعة 21 ذو الحجة 1429   العدد  13231
الخروج من (التليفون)!
حسين أبو السباع

كنت قد كتبت مقالات عدة عن الممارسات اللاأخلاقية عبر الهاتف النقال (الجوال)، وكانت كتاباتي كلها نظرية، مما أقرأه عبر الإنترنت، ومن بعض الرسائل التي تردني عبر البريد الإلكتروني من أماكن كثيرة من زملاء صحافيين وكتاب من أنحاء الوطن العربي، لكنني لم أصادف حقيقة من يمارس هذه الممارسات إلا مؤخراً، وأيضاً، لم تكن المقابلة وجهاً لوجه، وإنما كانت عبر (الإنترنت)، وروى لي ملخص حكايته باختصار (أنا مدمن جنس على التليفون)، لم تثرني كثيراً صراحته، ولا مفاجأتي بهذا الاعتراف الذي لم أطلبه منه ولم أساعده على قوله،،

،،، فقط كنا نتكلم عن هذا الموضوع، وفاجأني باعترافه.

سألته: وبسهولة تجد من توافقك؟

رد بسرعة قائلاً: كثيرات الباحثات عن الخيال، ولو عبر (التليفون).

سألته: تعتقد من الكبت؟

رد: كثير من الرجال يخرج تاركاً زوجته أو ابنته من دون توعية أو رقابة أو توفير سبل الرعاية التي تحمي من هذا الداء، فيبحثن عن هذا المجهول الذي يشبع غرائزهن وفراغهن ولو عبر التليفون، لأن الأمر لن يكلفهن أكثر من مكالمة، في الغالب يكون الشاب هو المتصل.

سألته بسذاجة: ولماذا في الغالب يكون الشاب هو المتصل؟

فأجاب: لأن الشباب لن يفتش أحد هواتفهم المحمولة، والفتاة أو المرأة سرعان ما تمسح رقمه من المكالمات المستقبلة، أو حتى تسجل اسم الشاب بأحد الأسماء المؤنثة حتى لو تم تفتيش هاتفها لن يلحظ أحد، حتى وإن قرر المفتش الاتصال بهذا الاسم، ورد عليه (ذكر) يقول له أنا أخو (فلانة) الاسم المتفق عليه بينهما، وهي خرجت وستعود لاحقاً.

- بهذه البساطة تتم الخيانة عبر (التليفون)؟

- نعم، وأكثر، حتى صرت مدمناً لهذه العلاقات، ولا أدري ماذا أفعل؟

- هل قررت التوقف؟

- لا.

- ولماذا تدعي أنك لا تدري ماذا تفعل؟

- لأني فعلاً لا أدري ماذا أفعل؟

وكنت منذ عامين تقريباً كتبت رواية سميتها (امرأة على الماسنجر) ناقشت فيها هذه المشكلة، لكن من وجهة نظر المرأة (البطلة) التي كانت في الرواية، فعدت أقلب صفحات الرواية نفسها لأسترجع بعض المشاهد التي صغتها بخيالي، لأكتشف أني في الرواية لم ألتفت أبداً إلى الرجل الذي شارك المرأة في ممارستها الإباحية عبر كاميرا (الماسنجر)، وكان تركيز روايتي على معالجة المرأة من منظور روائي اجتماعي فقط.. وبعد أن انتهت المكالمة (الماسنجرية) بيني وبين محدثي ما لبثت أن تعجبت من هذه الجمل الحوارية التي دارت بيننا بحكم أني ألتقي كل من يعرف بريدي الإلكتروني من خلاله بدلاً من الاتصال بالهاتف النقال هرباً من رناته وصداعه المزمن، ولو مرة في الأسبوع.

عموماً نصحته بأن يبتعد عن النساء اللاتي يدعونه إلى هذه الممارسات، وعدت أنا من رحلتي معه، أقلب في صفحات المقالات التي كتبتها من قبل، لأجد أني بدأت إحداها بالكلام عن (الاستدراج) و(الفراغ) الذي هو بوابة سقوط البشر، سواء من الذكور أو الإناث في هذه البئر التي يعتقد الكثيرون أنها ليست (حراماً) ويمارسون العلاقات الجنسية عبر الهاتف، والإنترنت، وكاميرا الهاتف ومكالمات الفيديو، وربما هناك طرق أخرى لا أعلمها، لكني عدت إلى الاستدراج وتساءلت: مَن يستدرج مَن؟.. الشاب يستدرج الفتاة أم يحدث العكس؟.. أم يحدث الأمران معاً؟

كثيرات يشتكين من المعاكسات التليفونية، وآخرون يشتكون من الفتيات اللاتي ربما يتحرشن بهم في الأسواق، إذن كلاهما متهم، لكن تراجعت عن هذه النتيجة قليلاً، لأسأل نفسي عن سبب الاتهام؟ فعدت إلى الاستدراج و(الفراغ)، وإذا كنت لم أجد إجابة وافية عن: مَن يستدرج مَن؟.. فنرجع إلى (الفراغ) الذي يعني (البطالة)، هذه البطالة التي يعاني منها كثير من الشباب والفتيات الدافع الرئيس لكل ممارسة غير أخلاقية.

خلصنا إلى أن (الاستدراج) و(البطالة) هما فيما أعتقد السبب وراء كل ممارسة غير أخلاقية، لكن تبقى نقطة أخرى أقرأ عنها، وهي إبلاغ الشرطة عن الرجل في أغلب الأحيان باتهام المرأة له بأنه يراودها عن نفسها، لامتناعها عنه بعد إقامتها علاقة غير شرعية معه لفترة، وسرعان ما يؤخذ الشاب بعد إعداد كمين له، يتم فيه القبض عليه ومحاكمته، وتترك الفتاة التي ربما جعلت من هذه الطريقة وسيلة للتخلص منه أو استبداله بآخر، والنوايا لا يعلمها إلا الله.

المهم أن هناك (كارثة) وجب التنبيه إليها، وهي (الجنس والتليفون)، لماذا يسرح الشاب والفتاة بخيالهما في عالم غير منظور، ليمارسا أمراً أول قواعده الرؤية؟!.. ربما ل(جوع) عاطفي يعاني منه الشاب (العربي)، ومهما كانت المجتمعات العربية منفتحة، وتعيش بثقافات متعددة إلا أن هناك شعوراً بهذا (الجوع) العاطفي الرهيب الذي نسينا أن نطعمه أبناءنا، نسينا في زحمة الحياة أن نمسح على رؤوس أطفالنا الصغار، ونسينا أن نحتوي بناتنا، ونسينا أن نرحم زوجاتنا، ونسينا رحمة الوالدين، ونسينا السؤال عن الأصدقاء والجيران، ونسينا رحمة كبيرة وضعتها شريعتنا الغراء من أجل أمة خلقها الله لتحيا إلى أن تقوم الساعة (مسلمة)، نسينا كل هذه الأمور، وغمسنا رؤوسنا في رمال الأزمات الاقتصادية، وضعف الراتب، ومشكلات كثيرة حلها قاب قوسين أو أدنى من عيوننا، الأبناء يكبرون كالنبات الصغير لا ينمو من دون الماء والهواء، انفتحوا على العالم الرحب بكل ما فيه، فلا يمكن الآن الانغلاق، لأن وسائل الاتصال لا يصلح معها الانغلاق، بل يصلح معها الانفتاح والمواجهة والعلاج والتنقية.

ومن الملاحظ أن بعض الدراسات أكدت أن أكثر الباحثين عن المواقع الإباحية على الإنترنت من بلدان عربية، بالطبع لم يُعرف إذا كان الباحث رجلاً أم امرأة؟.. المهم أن (الجنس) أصبح الشغل الشاغل لملايين الشباب والفتيات اليوم، ربما بفعل العنوسة، وعزوف الشباب عن الزواج، وربما بسبب ارتفاع معدلات الطلاق من دون تقديم حلول عقلانية علمية مدروسة، بعيدة عن محاضرات النصح المملة.

هناك علماء علم اجتماع، وعلماء علم نفس، ومجالات أخرى كثيرة لا بد من البحث فيها ومعالجة مجتمعاتنا من كل هذا (السوس) الذي ينخر في بنيانها، حتى لا نندم وقت لا ينفع الندم، وحتى نستطيع أن نلقى الله معترفين أننا قمنا بدورنا في الأرض بعد عبادته، وهو (الإصلاح) في الأرض بدلاً من أن نفسد فيها ونسفك الدماء.

مرة أخرى أقول:

أغلقوا على أبنائكم كل باب لكن أعطوهم المفتاح، فربما يحتاجون يوماً للخروج.. فليخرجوا من الباب، بدلاً من (التليفون).



aboelseba2@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد