من العلوم التي تعلّمناها في مدارسنا منذ إنشائها علم الأدب، وهو ذلك العلم الذي يبيِّن أخبار السابقين وحال اللاحقين، في حياتهم ومماتهم، وجدهم وهزلهم، وما دار بينهم من حسن وقبيح.
وقد يكون علم الأدب هو العلم الأبرز والأكثر حظاً والأوفر نصيباً من بين العلوم، حيث إنه رافق الطلاب في مناهجهم ومقرراتهم لمراحل متأخرة من الدراسة، لا أريد التحدث عنها، ولا عن فنونه وجنونه، إنما أردت الإشارة لواحد منها، ألا وهو علم الفخر، والذي يكمن تعريفه بلفظه.. فهذا يفتخر بنسبه وذاك يباهي بحسبه، وتلك تترنم بحسنها.. في المقابل ذهب الفخر ببعض ممتهنيه إلى المباهاة بلا شيء.. فقط، لمجاراة الناجحين والمتفوقين لإخفاء نقصهم وفقرهم.. إذ ليس مهماً عندهم أن يقولوا ما ليس فيهم، وأن يستروا ما فيهم فالمهم لديهم فقط أن يحاكوا المتميّزين ويماثلوهم ولو كان ذلك في الخيال.. لذلك فالفخر (جملةً وتفصيلاً) مغروس في نفوسنا نحن العرب.. وأجزم أننا لم نكن بحاجة لدراسته لأنه متمكن ومتحكم في قلوبنا قبل عقولنا للأسف الشديد!!.. والعاقل الفطن يدرك أن عاقبة الفخر خطيرة، ونهايته مثيرة، وأنه سلاح ذو حدين قاتلين غادرين، فالمفاخرون إن كانوا صادقين بزعمهم غرقوا في بحر الغرور، وإن كانوا مكابرين بعلمهم سقطوا في جحيم الضياع.. والشواهد كثيرة والأمثلة غزيرة، سواء في ماضينا أو في حاضرنا.. بل في كل مجال من مجالات حياتنا.
فريق النصر لكرة القدم.. فارس نجد.. ذلك التاريخ المشرق، والسجل الناصع الذي يعجز عن إنكاره ناكر، ويكل في إخفائه مكابر..كانت كل الفرق تهابه، وتضع له حسابات ومعادلات.. ولا غرابة في ذلك فسجله مع الأندية الأخرى كان يؤكّد تفوقه باكتساح.. فقبل كل لقاء لفريق النصر كان الإعلاميون يتوجهون لرئيس الفريق الذي سيقابله.. (ماذا أعددتم لمواجهة فريق النصر.. هل ستحكمون الرقابة على الموسيقار فهد الهريفي وتقطعون إمداداته للمهاجمين؟..وإن نجحتم في ذلك؛ كيف ستحدون من تحركات الكوبرا محيسن الجمعان ولدغاته المميتة؟.. ثم يعقب السؤال استفهام، وماذا عن شبح الملز يوسف خميس.. هل وضعتم في حساباتكم تمريراته القاتلة؟.. ثم يبدد الاستفهام وجوم وذهول.. هل تتصورون أن لاعباً أو لاعبين يكفيان للتقليل من أهداف جلاد الحراس ماجد عبد الله؟..).. عندها يشير رئيس النادي الذي سيقابل النصر بيده قائلاً بتنهد (كفى!!.. آه.. الله يعين على النصر).
عندما كان النصر كذلك كان جمهوره صامتاً شامخاً، ولا يبالي ولا تهزه سخرية ناقد ولا يخيفه كيد حاقد لأنه يدرك أن ناديه سيرد على المستطيل الأخضر.. كان يحس بالفخر والنشوة والانتصار بمجرد رؤية دموع الحسرة على محيّا جمهور الأندية الأخرى وهي تخسر من النصر.. كان يتلذذ ويترنم ونجوم فريقه يمثلون أكثر من نصف المنتخب السعودي.
ولأن لكل شيء إذا ما تم نقصاناً بدأت تأفل نجومه واحداً تلو الآخر، وبدأ فريق النصر يتراجع ويخسر أكثر مما يكسب وبدأت الأندية الأخرى تتطور بينما هو يتقهقر وبدأت أوراق سجل تفوقه تتساقط وشباكه تتمزق فما كان من جمهوره الشامخ إلا أن يهتز وأخذ صوتهم يعلو ليصل لحد الصراخ والعويل، كلما حقق الهلال بطولة أخذوا يرددون الماضي والإنجازات السابقة ويفتخرون ويفاخرون وإذا برز نجم في الفرق الأخرى ذكروا نجومهم الذين اعتزلوا!!.. لأنه لا يوجد لديهم لاعب يتفق عليه المحلّلون الرياضيون أنه موهوب.. بل خلت تشكيلة المنتخب من لاعب نصراوي، ولو سألت النصراويين عن نجم الفريق لتضاربت الآراء فهذا يقول سعد الحارثي، وذاك يرى أنه ريان بلال، وثالث يتوقّع أنه الشهراني.. ورابع يهز كتفيه ولا ينطق.. والمصيبة أنهم يكابرون ويكابدون وهم يدركون أنهم غير محقين، أصبحوا لا يفرّقون بين جد القول وهزله.. حتى عندما وصلوا للتمثيل في كأس العالم للأندية دندنوا وطنطنوا وجعلوه بطولة تساوي بطولات الأندية مجتمعة، وربما أكثر ثم قلبوا اسم ناديهم للعالمي، ظناً منهم أن الاسم سيعيد أمجاد الفريق وانتصاراته.
والمضحك المبكي.. أن أي نصراوي تقابله يقول لك بفخر: إذا لم تصل للعالمية فأنت بعد النصر!!
(قد تخدع كل الناس بعض الوقت ولكن لا يمكن أن تخدع بعض الناس كل الوقت).
خالد السلامة - الرياض
kas00966@yahoo.com