كان المسجد ولا يزال مقراً للندوات والمحاضرات، وبعض الاجتماعات، وكذا الاحتفالات، فهو القاعة والمقر والمجمع، وفي المسجد تكون الصلوات والدعوات، وكثير من العبادات، وفيه قيام الليل في رمضان وتناول الإفطار والسحور، وهو إلى وقت قريب كان المدرسة والديوان والبرلمان. |
في الجامع تلقى الخطب، والكلمات، والمسجد كان ولا يزال شعار كل دولة مسلمة {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً}.. (الحج: 40). |
وفيه تكون اللقاءات، وتتلاشى الفوارق، ويصطف المسلمون صفاً واحداً لا ترى فيه عوجاً ولا أمتا منهم الراكع والساجد، والمسجد يجمع الصغير والكبير، الذكر والأنثى، الغني والفقير، العربي والعجمي، وهناك في أقصى الشرق من بلاد الصين حيث هونج كونج، البلد البوذي مع إخوانهم النصارى، كان جامع كولون، في كولون كان هذا الجامع الشامخ، فيه يذكر اسم الله كثيراً، دخلت الجامع لصلاة الظهر في أول العشر الأواخر من رمضان هذا العام 1429هـ. فإذا هو أطباق ثلاثة، في أحدث بناء وأجود فناء، ممرات ودورات في غاية التنظيم، له مرافق عديدة، غرف، مجالس، قاعات، مكاتب، موائد للإفطار والسحور، وكل هذا مظهر، ولكن الأهم هو المخبر، ومخبره الراكع فيه والساجد حيث يذكر اسم الله كثيراً. |
إمامه شيخ فاضل أرشد رشيد أحمد (باكستاني). هو للقرآن حافظ، لقد فتح صدره، وجامعه لي وقدمني للإمامة وهو أحفظ، واستفتاني وهو أعلم وما ذلك إلا لمحبة أهل الحرمين الشريفين، وهو حنفي المذهب من غير ما تعصب، تاريخ جامع كولون يعود إلى أكثر من مائة عام فقط، ألقيت كلمة بعد الظهر، فلما فرغت، بادر المسلمون بالثناء والشكر، وأحسنوا الظن، نقلت لهم سلام الراعي والرعية فردوا بأحسن منها. |
ولما أقبل الليل وأدبر النهار، أفطرنا في ذلك الجامع، فغابت الفوارق، فلا يفرقنا عرق أو لون أو جنسية، أو مال أو جمال، وجامعنا الإسلام، |
أبي الإسلام لا أبَ لي سواه |
إذا افتخروا بقيس أو تميم |
دار نقاش بعد المغرب عن صلاة آخر الليل (التهجد) فاتضح لي أنهم لا يصلون صلاة التهجد، يصلون التراويح 23 ركعة طوال رمضان، أما التهجد (القيام) فلم تكن تعرف عبر تاريخ المسلمين في هونج كونج، فاقترحت عليهم أن يصلوا التهجد، فاستحسنوا ذلك، وأحبوه ولكنهم تخوفوا من عدم حضور أحد!!، قلت لإمام الجامع أرشد: جرِّب! |
فعلاً قام بالإعلان والدعوة لصلاة التهجد بعد صلاة العشاء وكذا التراويح، فأقبلت من الفندق إلى موعدي عند الساعة الثالثة آخر الليل، فإذا هو قد اجتمع نحو مائة أو يزيدون، وبهم شرعت في الصلاة، فما انصرفت من صلاتي إلا ومعي ما يزيد عن 200 مصل تقريباً، ثم أخذوا يتزايدون كل ليلة حتى بلغ عددهم في آخر ليلة نحو 750 مصلياً تقريباً، لقد كان لصلاة التهجد الأثر البالغ في نفوسهم حيث العبرات، والدعوات، والتضرع، والبكاء، وكان للقنوت في نفوسهم الأثر الطيب، وإن كان بعضهم لا يعقل الكلمات والدعوات، لأنه لا يعرف العربية، ولكنه يقول آمين بصدق وإخلاص، أن يقبل الله دعاءنا. |
ومن محبتهم لأهل الحرمين الشريفين أنهم كانوا يصافحونني بعد كل كلمة أو درس، أو محاضرة أو صلاة، مما شق علي وعليهم، فقلت لإمام الجامع يا أرشد أرشدهم إلى أنه يكفي سلام واحد، ولكنهم أبوا!! |
أحضرت إليهم من المملكة بعض الهدايا مثل (التمر السكري - نبتة علي - السكرية الحرماء) والكليجا بالتوفي والمعمول، وكذا الكليجا الخالص، مما زاد حبهم لقبلة المسلمين، ومعقل الإسلام وحامية الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية - حرسها الله - كما كنت أطيبهم بالبخور ودهن العود، مما كان له أثر طيب. |
جامع كولون مأوى أفئدة المسلمين هناك، فيه أمة مسلمة وثلة مؤمنة، في جامع كولون يفطر نحو ألف مسلم، ويتسع لأكثر من 3000 مصل، كنا نصلي فيه أكثر من 36 ركعة في كل ليلة من العشر الأواخر من رمضان، كما يفعل أئمة الحرمين الشريفين، بعد الفجر ألقي درساً في التفسير وما أدراك ما الدرس!! كان له الأثر الفاعل والإقبال المنقطع النظير، مصحوباً بالدعوات من الحاضرين، للمملكة وحكومتها وأهلها ودعاتها، كما كان مصحوباً بالتشجيع والمؤازرة من إمام الجامع - وفقه الله - الذي أجاد وأفاد في نقل معاني الكلمات إلى اللغات (الأردية - الإنجليزية - الصينية) كما كان مصحوباً ذلك الدرس بثلاث جوائز مالية كل جائزة قدرها (100) دولار هونج كونج، أي ما يعادل (50) ريالاً سعودياً، تعطى لكل مجيب بعد كل سؤال، قدمها أحد المشايخ الفضلاء من المملكة، كان الحديث في تفسير بعض آيات القرآن الكريم، كالفاتحة، وآية الكرسي، والحديث عن الشفاعات وشروطها، فتلقى الإخوة الدروس بكل صدر رحب، كما حذّرت من سؤال غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، وحذّرت من الشرك ووسائله وطرقه، وأن العبادة كلها لله وحده، بأسلوب هادئ ومقنع فوجد كلامي صدوراً مفتوحة وأفئدة منشرحة، تحب الحق والفطرة (فطرة الله التي فطر الناس عليها..). |
وأخيراً من العجيب الذي رأيته في هونج كونج أنهم يتشاءمون من الرقم (4) فلا يوجد هذا الرقم في بعض المصاعد وبعض الأسواق، بل جاءني خطاب فاكس من أحد المسلمين في هونج كونج، بعد وصولي إلى المملكة، فيه عدد من الفقرات قد كتبت 1-2-3-5- 6 وما زلت حائراً لماذا يتشاءمون من هذا الرقم، أترك الجواب لك أخي القارئ إن كنت تعرف. |
وختاماً لا يسعني إلا أن أشكر إمامنا خادم الحرمين الشريفين على تبرعه للمسلمين في تلك البلاد كما أثني على القنصلية السعودية، لأنهم رسل سلام وإسلام، ولا أنسى القنصلية الكويتية والشكر أيضاً لوزارة الشؤون الإسلامية، إذ قامت بفرش جميع مساجد هونج كونج، كما أبشر القراء الفضلاء عن عزم المملكة على إنشاء مركز إسلامي عملاق في هونج كونج. |
والله أسأل أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان. |
|
مدير إدارة الأوقاف والمساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة المجمعة |
|