الأحداث الجسيمة في العراق تتلو بعضها البعض بشكل منتظم، ولا يختلف الوضع في تلك الدولة عن ذات الوضع في أفغانستان أو الوضع في الباكستان، فجميعها كما يقال في المثل العربي المعروف (هم في الهوا سوا). وجميع تلك الأحداث المؤلمة تميزت وبرعت في استنباط صناعة مخرجاتها ومنتجاتها التي تذهل العالم وتلفت الانتباه بشكل مثير.
في العراق دخل التاريخ السياسي والصحفي مراسل قناة البغدادية بعد أن استخدم حذاءه كوسيلة للتعبير عن سخطه واستيائه حيال شخص الرئيس الأمريكي جورج بوش وسياساته، في المؤتمر الصحفي المعلوم الذي بات أشهر المؤتمرات الصحفية على الإطلاق في تاريخ الصحافة العربية والأجنبية على حد سواء. النتيجة المتوقعة بعد هذه الحركة أن يجبر كافة ممثلي وسائل الإعلام العربية على خلع أحذيتهم في حال رغبتهم تغطية المؤتمرات الصحفية الكبيرة.
وفي الباكستان لازالت الدولة الإسلامية الكبيرة هذه تعاني من مخاطر الضغوط الإقليمية والدولية الشديدة بعد أحداث مومباي الإرهابية التي أودت بحياة العشرات من القتلى والجرحى في أبشع عملية إرهابية تنفذ في دولة الهند. العملية الإرهابية هذه وضعت الباكستان في موقف ووضع إقليمي ودولي حساس حرج لا تحسد عليه، وأجبرتها على اتخاذ سياسات داخلية أكثر تشدداً حيال الجماعات المتشددة والمتطرفة.
من هذه السياسات جاءت حصيلة المداهمات الأمنية لقوى الأمن الباكستانية لتعتقل 16 مشتبهاً بهم بالإضافة إلى اعتقال زعيمي تنظيمين متطرفين الأول ذكير الرحمن الأخوي قائد عمليات تنظيم عسكر طيبة الذي اتهم بأنه العقل المدبر للعمليات التي أوقعت 163 قتيلاً، والثاني مسعود أزهار زعيم تنظيم جيش محمد، كما ووضع مجلس الأمن الدولي 4 أشخاص من عسكر طيبة على اللائحة الدولية للإرهاب بينهم مؤسس الحركة حافظ محمد سعيد، وزكي الرحمن، وحجي محمد أشرف، ومحمود محمد أحمد. الخاسر الأكبر حتى الآن كنتيجة لعملية مومباي كل من دولة الباكستان وإقليم كشمير وقضايا الشعب المسلم في تلك الديار.
وفي أفغانستان تتواصل عمليات العنف والتفجيرات موقعة القتلى والجرحى ومخلفة الدمار الذي يصعب إصلاحه وتعويض مخرجاته ونتائجه لتنزلق أفغانستان أكثر وأكثر في مستنقع العنف والحرب مفسحة الطريق أمام التصعيد المتبادل الذي يعزز من واقع أمني مرير يعطي الضوء الأخضر لدعوة المزيد من القوات الدولية لمواجهة مخاطر العنف. الخاسر الأكبر من جراء هذه الأحداث هو الشعب الأفغاني المسلم.
الأحداث الجسيمة هذه تدعونا لتذكر أحداث جسيمة أخرى وقعت قبل خمس سنوات وتحديداً في 9 نوفمبر عام 2003م في تفجيرات المحيا بمدينة الرياض التي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، وذات الذكريات تنطبق على تفجيرات شهر نوفمبر من عام 2005م التي وقعت في ثلاثة من فنادق العاصمة الأردنية عمان ذهب ضحيتها أيضاً العشرات من القتلى والجرحى الأبرياء.
حقيقة الأحداث المرة هذه تعيد تأكيد ذاتها البشعة مرة تلو الأخرى مع كل حدث جسيم ترتكبه جماعات التشدد والغلو والضلال في ربوع العالم الإسلامي محملة نتائجها البشعة لشعوب العالم الإسلامي التي عادة ما يترتب عليها المزيد من حدة الضغوط والتوترات التي تعيق حركة العالم الإسلامي وتشل قدراته وتستنزفها وتدفعه خطوات إلى الوراء عوضاً عن دفعه في مسارات التقدم إلى الأمام في طريق التنمية والتطور الاقتصادي والعلمي والتقني.
من هنا يصعب القول إن العمليات الإرهابية التي ترتكب في العالم الإسلامي والتي لا يوجد مبرر منطقي ولا واقعي واحد لها، لا يقف وراءها من يروم بالعالم الإسلامي شراً ويترصد السوء لنموه وتقدمه، كما ويصعب القول إن هذه العمليات المشبوهة لا تنفذ إلا لتحقيق مصلحة خاصة لتنظيمات متشددة هدفها الإضرار بمصالح الأمة الإسلامية.
مآسي العنف والإرهاب التي تنفذ في العالم الإسلامي من الباكستان شرقاً وإلى المغرب العربي غرباً، ومن إندونيسيا جنوباً إلى تركيا وبلاد الشام شمالاً لدلالة واضحة على أن أعداء الأمة الإسلامية يقبعون في داخلها، بل ويتحركون بخطورة كطوابير خامسة هدفهم الأول والأخير تحقيق مكاسب شخصية وذاتية خاصة على حساب مصالح الأمة الإسلامية. ترى هل تستمر تلك الأحداث الجسيمة؟ وإلى متى؟ المطلوب تعبئة عامة وتجييش إسلامي كامل على كافة المستويات الإسلامية لوضع حد لسياسات وتحركات ومخططات الطوابير الخامسة.
drwahid@email.com