Al Jazirah NewsPaper Tuesday  16/12/2008 G Issue 13228
الثلاثاء 18 ذو الحجة 1429   العدد  13228
نوافذ
القصيدة
أميمة الخميس

علماء اللغة يصنفون اللغة ضمن مستويات عدة أرفعها وأسماها هي المستوى الأول عندما تكون اللغة كوعاء للثقافة والحضارة، وهو المستوى التي تمارس من خلاله الشعوب طقوسها الدينية، وتكتب قوانينها وأنظمتها، وتحفظ تاريخها، وتكتب آدابها وفنونها، وهذا المستوى هو المستوى الذهبي الذي يخضع للقواعد التي تحفظها وتنقلها من جيل إثر الآخر.

وهناك مستويات أخرى أدنى للغة وصولاً إلى المستوى الذي يستجلب لممارسات التعايش اليومي، ولتغطية شؤون الحياة المختلفة، وهذا المستوى لا يمتلك عادة البنية المتماسكة المتينة والهيبة أو الجلال والعمق الذي يكون عليه المستوى الأول. وبين هذه المستويات يقبع الشعر الشعبي، الذي هو وليد ثقافة صحراوية شفوية، يقوم في غالبه على الانفعال الوجداني السطحي، دون عمق فلسفي أو صنعة على مستوى الصورة أو الجمل أو المعاني.

والشعر الشعبي نتيجة لبساطته وعدم تشابكه وتعقيده واعتماده على مخزون جمالي معاد ومكرر، وتناوله لقضايا مستمدة من اليومي البسيط، فإنه في المقابل يمتلك شعبية وجماهيرية كبيرة، تتبدى لنا في المساحة التي يحتلها في وسائل الإعلام، والمهرجانات والأغاني، وتكراره على الألسن في جميع جوانب الحياة، ولكنه دوماً يبقى يراوح في مناطق جمالية محدودة وضيقة وعاجزة على أن تقدم رؤية عميقة وشفافة متوارثة عبر الأجيال. وقد استجلبت هذه المقدمة الطويلة لأنني أجدها مدخلاً مناسباً للتعبير عن رأي خاص بي بعد أن استمعت إلى القصيدة الحماسية التي ألقاها الشاعر خلف بن هذال العتيبي بين يدين خادم الحرمين الشريفين في حضرة ضيوف ووفود الرحمن القادمة من أصقاع الأرض.

فالقصيدة متوهجة ومحملة بالمعاني الجميلة لكن أتوقع أن موقعها هو المنبر الذي ننتظرها من خلاله كل عام (مهرجان الجنادرية) للأدب الشعبي وبين محبيها وجمهورها ولأعتقد أن قصائد الشاعر العتيبي تمتلك أجنحة قادرة على التحليق خارج أسوار الجنادرية.

كم كنا ننتظر في هذا الموقف المهيب الجليل بين يدي خادم الحرمين الشريفين وضيوفه من وجوه العالم الإسلامي الذين تجمعهم الفصحى وتنتظم صفوفهم وتظللهم، أن يكون واجهتنا للعالم هم أي من شعرائنا المفلقين الذين ينظمون القصائد الفصحى الجزلة الرصينة ليعلقوها قلائد على جيد الوطن.

وكم كنا نتوقع أن نستمع لقصيدة من قصائد الفصحى القادرة على مقاربة الشعر بأدوات متينة رصينة ومتمكنة.. فالجزيرة العربية ينظر لها العالم دوماً وعبر التاريخ... كنبع للشعر وأرض للشعراء.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6287 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد