Al Jazirah NewsPaper Thursday  11/12/2008 G Issue 13223
الخميس 13 ذو الحجة 1429   العدد  13223

ولكن الله لا ينسى يا سلطان
سعود صالح الظبي

 

يقول الشاعر:

من يفعلِ الخيرَ لا يعدمْ جوازيَه

لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ

كاتب السطور مواطنٌ بسيط من بين الملايين التي تحمل في قلوبها حباً يجري في عروقها لولاة أمرها - أدام الله عزّهم - وإن لم يملكوا الوسائل المناسبة للتعبير عن ذلك الحب وإعلانه.

في مطلع الثمانينات الهجرية توفي والدي، وكان موظفاً في وزارة الدفاع والطيران، وعند إنهاء معاملة صرف راتبه التقاعدي لورثته وهم: أمٌّ وزوجةٌ وطفلٌ، ظهرت مشكلة إدارية عطّلت المعاملة تمثّلت في ضياع أوراق ترقيته إلى مرتبته الأخيرة، حيث أصرّت الوزارة على استرداد فروقات المرتبة الجديدة من الورثة الذين لم يكونوا يملكون شيئاً، بل إنّ تأخر المعاملة كان يمثل لهم عبئاً لا يعلم أثره إلاّ الله تعالى! ورغم وقوف عدد من المسؤولين في الوزارة آنذاك بجانب الورثة، ومحاولتهم الإسراع في إنهاء المعاملة، إلاّ أنهم لم يستطيعوا فعل شيء أمام بيروقراطية ربما لا يصدق أحدٌ بطء سيرها، وتعقيد إجراءاتها!

فلم يكن أمام الورثة إلاّ أن يكتبوا معروضاً يشرح المشكلة شرحاً وافياً، ويضعوه بين يدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز - حفظه الله - وكان قد تسلّم وزارة الدفاع قريباً، ولم يكن هناك أنسب من محدثكم، الذي كان طفلاً لم يتجاوز التاسعة من عمره، لتسليم الخطاب لسموه الكريم عند دخوله الوزارة. ولا زال المشهد حاضراً بوضوح شديد في ذاكرتي: فما أن همَّ سموه بالنزول من السيارة حتى تقدّمتُ وسلّمتُ عليه ومددتُ إليه المعروض وصافحني وغمر روحي بوجهه البشوش، وقبّلني، ومسح على رأسي اقتداءً بسنّة النبي عليه الصلاة والسلام، وسألني عن اسمي، ثم طلب من مرافقي مراجعته في مكتبه، وما أن قرأ المعروض حتى كتب للجهات المختصة بسرعة إنهاء المعاملة وعدم مطالبة الورثة بشيء، الورثة الذين لم يكفوا عن الدعاء الصادق بأن يحفظ الله سموه ويمد في عمره، فما هذه الحادثة إلاّ واحدةٌ من آلاف الحسنات التي - وإن حرص سموه على إخفائها - لازال الناس يتناقلونها بامتنانٍ صادق ووفاءٍ شديد، ويكلون جزاءه إلى الله تعالى، الذي وإن نسيها سلطان، فإنه تعالى لا يضل ولا ينسى وهو الوحيد - سبحانه - القادر على الإحاطة بفيض هذا البحر المحيط، أمدّ الله في عمره.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد