Al Jazirah NewsPaper Thursday  11/12/2008 G Issue 13223
الخميس 13 ذو الحجة 1429   العدد  13223
الحكمة البالغة
نورا علي

تجارب الآخرين وخبراتهم معين صاف لا ينضب ما بقيت الحياة، وكفيلة بأن نتعلم منها دون أن نزج بأنفسنا في تجارب مماثلة تستنزف الكثير من الوقت والجهد.

وسيَر العلماء والقادة العظماء جديرة بأن تُقرأ؛ لننهل من حكمتها البالغة، ولنقف وقفة تأمل مع تلك الشخصيات التي خلّد التاريخ ذكرها، وما أحوجنا في وقت كثرت فيه الفتن والمغريات أن نقتفي آثارهم وذلك بقراءة مآثرهم التي كان لها أعظم الأثر في جيلهم وما تلاه من الأجيال.

اخترت لكم اليوم بعضاً من المواقف لشخصية عظيمة أثّرت أبلغ الأثر في حياتي اليومية وعملي، ألا وهي شخصية الحاكم العادل عمر بن عبد العزيز.

إليكم بعضاً من مواقفه:

1- بعث إليه عامله على المدينة، يشكو من قلة القراطيس والأوراق عنده، فكتب له: أدق قلمك، وقارب بين سطورك، وأوجز في كلامك. (من هذا المنطلق أناشد القائمين على أمور المدارس والمؤسسات الحكومية ترشيد استهلاك الأوراق؛ لأنها من أموال المسلمين).

2- استأذن بعض الخوارج في الدخول عليه، فقال له كاتبه: أخشى يا أمير المؤمنين أن ينالاك بسوء مقالتهما؛ فإن الخوارج يلجّون في الخصومة، ولا يفيئون إلى الحق، وإني أرى من الخير أن ترعبهم وتقسو عليهم حتى يخافوك ويهابوك.

فقال: غير هذا أولى بنا، فقد يُنال باللين والحكمة ما لا ينال بالقسوة والرهبة، وإذا قدرت على دواء تشفي به صاحبك دون الكي فلا تكوينه أبداً، والحق بعد هذا أبلج (أي مشرق واضح) والباطل لجلج (أي قلق مضطرب).

- ما أعظم من يتصف باللين والرحمة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه).

3- يتناول كاتبه كتاباً جاء فيه : هذا أحد ولاتك يقول إن امرأ أُخِذ في حد وخالطته شبهة. فقال اكتب إليهم: ادرؤوا الحد ما استطعتم في كل شبهة، فإن الوالي إذا أخطأ في العفو خير من أن يُخطئ أو يتعدى في العقوبة.

وأنا أكتب هذا الموقف تذكرت الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}أعزائي.. هذا غيض من فيض، وقليل من كثير، ومن أراد الاستزادة فليرتَد المكتبات، وينهل من هذه العطايا والهبات، التي لا تُقدَّر بثمن. وأكرم به من هدي، يقتل الأحقاد ويقضي على الضغائن.

وللحديث بقية.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد