Al Jazirah NewsPaper Thursday  11/12/2008 G Issue 13223
الخميس 13 ذو الحجة 1429   العدد  13223

تعريف المعروف
عبدالله إبراهيم حمد البريدي

 

هذا العنوان لم أكن أعرف له من الشواهد إلا القول المشهور:

وفسَّر الماء بعد الجهد بالماء

وكذلك البيت الأشهر:

كأننا والماء من حولنا

قوم جلوس حولهم ماء

حتى اطلعت على ديوان الشاعر الساخر التركي المستعرب ابن سودون اليشبغاوي في قصيدة يريد بها الإضحاك، وذلك عن طريق محاكاة أدعياء المعرفة الذين لا يزيدون في أقوالهم على تعريف المعروف:

إذا ما الفتى في الناس بالعقل قد سما

تيقَّن أن الأرض من فوقها السما

وأن السما من تحتها الأرض لم تزل

وبينهما أشياء إن ظهرت ترى

وإني سأبدي بعض ما قد علمتُه

لتعلمَ أني من ذوي العلم والحجِى

فمن ذاك أن الناس من نسل آدم

ومنهم ابن سودون أيضاً وإن قضى

وأن أبي زوجٌ لأمي وأنني

أنا ابنهما والناس هم يعرفون ذا!!

وهو القائل ضمن ديوانه الظريف:

البحر بحر والنخيل نخيل

والفيل فيل والزراف طويل

والأرض أرض والسماء خلافها

والطير في ما بينهن يجولُ

وإذا تعاصفت الرياح بروضةٍ

فالأرض تثبت والغصون تميلُ

الفرق بين هذا الشاعر وسابقيه أنه (عرّف المعروف) من باب الظرف والضحك والإضحاك، بينما هم عرفوا المعروف سذاجة وخروجاً من ورطة وقعوا فيها، وبئس الخروج!

ما أكثر اتباع وأصحاب من فسر الماء بالماء في هذا العصر، وهم مدعاة للقلق وأسباب ارتفاع الضغط والسكر وقانا الله وإياكم شرهما.

وما أقل أصحاب ابن سودون الظريف، الذي يشيع المرح والأنس في كل مكان يأتيه، ولا يُمَل مجلسه، وما أحوج الناس في هذا الوقت لمن يشيع المرح والسرور، فهو عصر الضغوط من كل الجهات، ففي البيت ضغط، وفي العمل ضغط، وحتى في الشارع والطريق ضغط!

ويحتاجون لمن يلطف أجواءهم المتلوثة بغبار وأتربة الآمال والطموحات التي تتراوح بين مستحيلة أو كانت باليد ولكنها تلاشت!

وكما هم في حاجة لمثل بان سودون، فهم يمقتون ويشمئزون من أضداده من شعراء وأدباء أو كتاب يتفاصحون ويتلون ويعجنون، ويلوكون بألسنتهم و(أقلامهم) كلمات وعبارات جوفاء، لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تروي من عطش، بل تسبب جفافاً فكرياً للقراء الذين يعاني أغلبهم في الأساس من جفاف متعدد الأنواع ومنها الجفاف المادي الذي يتولد منه (جفافات) مختلفة لا تخفى على الكثير.

لكل كاتب لطيف، أو شاعر ظله خفيف نوجه هذه الأبيات من الشاعر عبدالغفار بن الواحد بن وهب (الأخرس)، يصف رجلاً من ناثري العلم والحكمة على من حوله:

يزيد عقولنا بدقيق فهم

غذاء للعقول وللفهوم

ونرجع في الكلام إلى خبير

بكشف دقائق المعنى عليم

تكاد حلاوة الألفاظ منه

تعيد الروح في الجسم الرميم

وروضٌ من رياض الفضل ضاهى

بزهر كلامه زهر النجوم

وإنك إن نظرت إلى علاه

نظرت إلى جبال من حلوم

فحاز مكارم الأخلاق طرا

وحاشاه من الخلق الذميم

al-boraidi@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد