الرياض - الجزيرة:
تناولت دراسة تحليلية أعدها مركز البحوث والدراسات بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض الأثر على الاستثمارات المهاجرة، مبينة أنه لا توجد تقديرات دقيقة لحجم الاستثمارات السعودية المهاجرة إلى الخارج، إلا أن معظم التقديرات تشير إلى أنها يمكن أن تصل إلى ما بين 800 مليار وتريليون ريال، وقد مُنيت بخسائر فادحة في ضوء امتلاكها للعديد من الأسهم والسندات الخاسرة أو الفاسدة الآن؛ لذلك فإنه في ضوء اكتشاف مدى الضعف في كفاءة هذه الأسواق الغربية، وأيضاً في ضوء الانهيارات المتوالية للبنوك، يتوقع أن تحدث تراجعات في فكر هؤلاء المستثمرين المحليين، ومن ثم يتوقع أن تعود نسبة كبيرة من هذه الأموال إلى الداخل.
واستعرضت الدراسة بعض التدابير الوقائية التي تساهم في صيانة الاقتصاد الوطني من حدوث أي تداعيات سلبية أو طوارئ غير متوقعة نتيجة تفاقم الأزمة العالمية الراهنة، من حيث السعي لاستخدام أكبر قدر ممكن من الفوائض المالية المتاحة بميزانية العام الجديد؛ لتعزيز أوجه الإنفاق الحكومي لإعطاء دفعة للأنشطة الاقتصادية المتوقع ركودها، وخاصة أنشطة المقاولات والبناء والتشييد وغيرها.
كما اقترحت الدراسة دخول مؤسسة النقد العربي السعودي كمشترٍ في سوق الأوراق المالية؛ لضخ أكبر قدر ممكن من السيولة في السوق المحلية، فضلاً عن تخفيض نسبة الاحتياطي النظامي بالبنوك لأدنى مستوى ممكن.
وطالبت الدراسة غرفة الرياض بالسعي لوضع سياسة متزنة توازن بين تشديد الرقابة على الائتمان المصرفي للأفراد ذوي الملاءات الضعيفة، وتسهيله للمستثمرين الجادين أصحاب الاستثمارات الحقيقية، وتعزيز الضمانات الحكومية لشركات التأمين الجادة في السوق المحلية، ومساعدتها على تجاوز الأزمة الحالية حتى وإن تعرض بعضها لخسائر في السوق العالمية لضمان عدم توقف شريان الكفالة الاقتصادية في السوق المحلية.
كما خلصت إلى أن الأزمة ألقت بتأثيرات مباشرة على البنوك والمؤسسات المالية؛ لأنها تتسبب في خسائر مباشرة لها في معظم دول العالم، وأن التأثير الرئيسي لهذه الأزمة ينصب على تراجع معدلات السيولة المتاحة في الأسواق، متوقعة حدوث نوع من الركود الاقتصادي في معظم دول العالم، قد يصيب السوق السعودي، التي من أبرزه تراجع الإيرادات النفطية ومن ثم تراجع معدلات الإنفاق الحكومي؛ ما ينجم عنه انخفاض معدلات النمو في العديد من الأنشطة الاقتصادية.
وأشارت الدراسة إلى عاملين سيحدان من التأثير السلبي للأزمة على الودائع المصرفية في البنوك السعودية، يتمثل العامل الأول في أن البنوك المحلية تتصف بالعديد من عوامل القوة التي تحفظها من التأثر أو الاضطراب نتيجة تداعيات الأزمة العالمية، من أهمها أنها تمتلك قدراً كبيراً من الفوائض المالية نتيجة تراكم أرباح كبيرة خلال فترات سابقة، ثانياً أن مؤسسة النقد تساند وتضمن هذه البنوك بكل قوتها، وبالتالي فإن الودائع المصرفية يتوقع ألا تتأثر بالأزمة العالمية كثيراً من هذا الجانب، وأن يصبح أي تأثر سلبي هو تأثر مؤقت لا يلبث أن يزول.
وأشارت الدراسة إلى احتمال أن يشهد السوق المحلي بعض التشديد في الإجراءات المصرفية، إلا أنه لا يتوقع أن تستمر لفترات طويلة، وترى الدراسة أن هذا التشديد في الإجراءات ليس في صالح الاقتصاد الوطني وخاصة خلال الفترة الحالية؛ لذلك فهناك حاجة ماسة لتدخل مؤسسة النقد بتخفيف إجراءات الاقتراض في المصارف المحلية، كما ينبغي عليها الآن التغاضي مؤقتاً عن سياسة الحد من السيولة المحلية لعلاج التضخم؛ لأن الأزمة المالية ستقود ذاتها إلى الحد من هذا التضخم.
وتخلص الدراسة إلى احتمال وجود تأثيرات سلبية على قطاع المصارف المحلية؛ لأن الأزمة أساسها مالي وانعكاسها سيكون مالياً أيضاً، إلا أن المصارف السعودية يتوقع أن تمتلك المقدرة على تجاوز هذه الانعكاسات السلبية بسرعة.
وتطرقت الدراسة إلى تأثير الأزمة على قطاع التأمين المحلي، مبينة أن حداثة قطاع التأمين المحلي ربما تكون مدعاة لخسائر أقل في الاقتصاد الوطني، ولعل صيانة وحماية قطاع التأمين تتطلبان في الوقت الحالي تقديم مؤسسة النقد ضمانات صريحة تضمن شركات التأمين حال تعرضها لخسائر شديدة في استثماراتها الخارجية، وذلك تحسباً لتعرض هذه الشركات لأي صدمات من جراء توقف المؤمن لصالحهم من التأمين لديها.
كما تناولت أثر الأزمة على صناديق الاستثمار، مبينة أن أصول صناديق الاستثمار المحلية تتوزع على قسمين، أصول محلية وأخرى أجنبية، إلا أن نسبة الأصول المحلية لا تزال هي السائدة، حيث تصل إلى حوالي 80.3% من الإجمالي، ويعتبر هذا التوزيع المتحفظ عاملاً رئيسياً في تخفيف تأثيرات الأزمة العالمية على صناديق الاستثمار المحلية، وتتوزع صناديق الاستثمار العاملة في السوق الخارجي على عدة أقسام، منها نحو 323 مليون ريال تستثمر في سندات أجنبية، وهي الصناديق المعرضة لخسائر أكبر من جراء الأزمة العالمية، كما توجد نحو 1.3 مليار ريال مستثمرة في أصول أجنبية غير محددة، وهي أيضاً عرضة للتأثر سلبياً بالأزمة، إلا أنه بوجه عام لا تزال الصناديق المعرضة للخسائر ذات قيمة متدنية نسبة إلى إجمالي قيمة الصناديق أو حتى بالقيم المطلقة.
وتناولت الدراسة سوق الأسهم المحلي، مشيرة إلى أنه يعمل كرافد رئيسي في تمويل عمليات التنمية بالاقتصاد الوطني، وقد بدأ هذا الرافد يستحوذ على اهتمام الجهات الرسمية خلال العامين الأخيرين، إلا أنه يعمل بحساسية مفرطة لأي مستجدات بالسوق العالمي؛ ولهذا تأثر سوق الأسهم المحلي تأثراً شديداً عند بداية ظهور تأثيرات الأزمة المالية على البورصات العالمية، حيث خسر السوق نحو 18% أو ما يعادل 240 مليار ريال تقريباً خلال ثلاثة أيام فقط بعد تداوله بعد عيد الفطر المبارك، إلا أن جهوداً رسمية حثيثة بُذلت للحفاظ على هدوء واستقرار السوق.
وقالت الدراسة إن السوق يتطلب بعض الإجراءات الخاصة التي تحصنه ضد التراجع القوي مستقبلاً، ومن أبرزها تبني هيئة السوق المالية فلسفة إيقاف التداول عند بلوغ خسائر السوق مدى معيناً، وخاصة عندما تكون هذه الخسائر غير مرتبطة بأي عامل داخلي.