شهدت العديد من الدول الأوروبية حفلات وفعاليات لإحياء الذكرى الستين لتوقيع اتفاقيات حقوق الإنسان.
مبالغة الأوروبيين في الاحتفاء بهذه المناسبة ومطالبة الدول النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وغض النظر بل وعدم الإشارة من قريب أو بعيد إلى الدول والأنظمة الغربية والمرضيّ عنها كالكيان الإسرائيلي، كشفت عن حجم النفاق والكيل بمكيالين الذي أصبح مصاحباً لسياسات الدول الغربية في كثير من القضايا والمواقف، ومنها التعامل مع قضايا حقوق الإنسان. ففي الوقت الذي أقامت فيه الحكومات الغربية الاحتفالات في عواصمها احتفاء بذكرى توقيع اتفاقيات حقوق الإنسان، كان حلفاؤهم والأصدقاء المدللون من الإسرائيليين يرتكبون الآثام وأبشع الجرائم في فلسطين المحتلة، يحاصرون أهل غزة ويمنعون عنهم الغذاء والدواء والوقود، وفي مدن الضفة يهاجم قطعان المستوطنين المواطنين الفلسطينيين في منازلهم ومحلات رزقهم من حوانيت ومراكز بيع؛ إذ تعرضت مدينة الخليل لهجمات إرهابية إجرامية من خمسمائة مستوطن سرقوا منازل المواطنين الفلسطينيين وأحرقوا بعضاً منها دون أن تُحرّك الشرطة الإسرائيلية ساكناً، ودون أن تُظهر أية علامات احتجاج أو رفض لهذه الممارسات الإجرامية التي قام بها الإسرائيليون. الذين احتفلوا بذكرى توقيع اتفاقيات حقوق الإنسان والمنشغلون في تشجيع الانفصاليين في دارفور في السودان والمعارضين في زيمبابوي، لا أحد يتكلم ولا أحد يعترض منهم عما يجري في فلسطين وما يقوم به الإسرائيليون، وكأن الفلسطينيين لا يستحقون التمتع بحقوق الإنسان التي يحتفل بها الأوروبيون!
نفاق ما بعده نفاق أصبح العالم معتاد عليه؛ فالإنسان في نظر هؤلاء المنافقين من الأوروبيين الغربيين مصنف حسب انتمائه الجغرافي، فالعرب والمسلمون والأفارقة لا يستحقون التمتع بحقوق الإنسان التي يوزعها الأوروبيون على حلفائهم وأصدقائهم من الإسرائيليين وعملائهم الذين يثيرون الاضطرابات والمشاكل للأنظمة التي لا تتطابق مفاهيمها السياسية مع السياسات الغربية، والتي تتعارض مع أساليب الهيمنة والتسلط الإمبريالي الغربي المبني على مبادئ الحفاظ على مصالحهم دون الاهتمام بمصالح الشعوب المحتاجة، ومن أجل تحقيق تلك المصالح يخنقون البلدان والشعوب المحتاجة بالعقوبات ويحاصرونها بالإجراءات القاسية ومنها إغلاق الحدود وإقفال المعابر كما يحصل الآن مع قطاع غزة.
jaser@al-jazirah.com.sa