علينا أن نتفق أولاً على أن الذين لا يبدون الحركة المطلوبة لمواجهة متطلبات حياتهم ويلبسهم الكسل والتراخي هم ميتون لا علاقة لهم بما سأطرحه، فالمقصود هم الذين يعملون ويحدثون الحركة المطلوبة وتأتي نتائج ما عملوا إما مصحوبة بتوفيق ووصلوا لما كانوا يسعون إليه وإما لا، وعلى هذا أقول:إن النجاح عمل، والفشل عمل أيضاً، وهما لا يعنيان بالضرورة نبوغا في هذا الشخص أو قصورا فيه، فهما كسائر ما يحدث في دنيانا مرتبطان بتوفيق الله وابتلائه، هذه إحدى أهم الاشكاليات التي تجعل الناس لا يفهمون الأمور وحقائقها فيتغربون عن أنفسهم، فإذا أنعم الله على أحدهم بنجاح قدر أنه نال ما يستحقه لاجتهاده ومثابرته وعلمه فقط، وعاب على غيره الكسل وعدم الاجتهاد، وفي هذا شيء من المنطق يفرض علينا أن نقبله، لكنني أزعم أن كل إنسان سوي لو سارت الأمور على طبيعتها يجتهد ويتعلم ويبذل قصارى ما يستطيع للوصول لنجاحات يريدها، لكن الأمور تستقيم لواحد فيصل إلى نجاحات تفوق ما يمتلكه من علم وقدرات أو إمكانات، بينما يحصد الآخر الأكثر علماً وحركة واجتهادا نجاحات أقل، فيقال: إن هذا نجح، والآخر فشل ويتغنى الناجح بإمكاناته واجتهاده دون أن يفهم أن الأمور سُخرت له ليحقق غاية مكتوبة، هنا يفرض علينا العقل ألا نربط ما يتحقق لنا من نجاحات بما نمتلكه من قدرات أو ما نبذله من حركة فقط، فإن كنت تعمل فغيرك يعمل أيضاً، لكن الأمور مرهونة بتوفيق الله ورزقه، وما سخط الله على قارون إلا لأنه أرجع ما وصل إليه إلى علمه فقط وقدرته مع أنني أجزم أن غير قارون في عصره لابد وأنه اجتهد لكن الرزق كان مكتوباً لقارون.
في الدنيا علماء وحكماء ونوابغ لو تتبعنا أحوالهم لرأينا أن من هم دونهم حققوا فيها نجاحات تفوق في شكلها ما تحقق لهؤلاء العلماء أو الحكماء، إذ جعل الله لغيرهم نصيباً مفروضاً في مواقع أكثر تأثيراً ومكانة أبين بين الناس، ولو ردت المسألة فقط لاجتهاد الإنسان وعلمه لما كان غالب من نراهم الآن يتبوؤون مراكز الصدارة في أماكنهم، حتى بين العلماء والحكماء نجد عالماً تسلط الأضواء عليه ويتهافت الناس على مجالسه، بينما آخر لا ينال رفعة كصاحبه ولا يلق المكانة التي يلقاها حتى ولو كان يفوقه علماً، فبين الأمور تحدث من الله أمور كثيرة لا نعلمها كتسخير خلق الله لعبد من عبيده أو تهيئة الظروف له، تجعل هذا ينال توفيقاً أكبر بينما يحرم الآخر من التوفيق.
الفشل في رأيي أن يجتهد المرء ويعمل ويسعى في الأرض ثم لا تكون الأمور كما تصورها ولا تصل به النتائج إلى ما كان يقصد، بينما فعل الآخر مثل ما فعل فتحقق له أكثر مما يأمل، وفي كل خير فالحركة هي الأصل، لنعرف أن الأمور كلها مقرونة بما كتب لكل عبد بغض النظر عن إمكاناته أو قدراته طالما أنه فعل أبسط ما هو مطلوب منه وهو الحركة والسعي، وما وراءها لا يدخل ضمن حدود قدراتنا ولكنه عند العلي العظيم سبحانه..والله المستعان.