إنه والده وقد أخذت به العاطفة في غفلة من العقل، حيث أصاب ابنه بعضٌ من الضرر نتيجة مشادة بين الابن وزميل له؛ مما أدى إلى غضب الأب فألحق بالزميل أضراراً بالغة، حيث امتلأ قلبه بالحقد والرغبة في الانتقام. |
فلقد تصرف كما يتصرف القاصر، وبعد أن تماثل الزميل إلى الشفاء من أثر ما أصابه قام بزيارة زميله ووالده ليقدم أسفه ويفسر الأسباب التي أدت به إلى الخلاف مع الابن، وبعد أن سمع الأب أحس أن تدخله بما فعل لم يكن صواباً كله، فقال الزميل لوالد زميله من النتائج التي يمكن أن نخرج بها من كل ما حدث أن العاطفة حين يصاحبها عقل يتجنب الإنسان كثيراً من المتاعب النفسية، ويبتعد أكثر عن كل أسباب الشطط والزلل. |
واستمر في حديثه مؤكداً اعتقاده أن العاطفة بشيء من حكمة العقل أمان يحل معه سلام وطمأنينة للشخص نفسه وللآخرين، وهذا ما افتقدته حين أخذ بي الانفعال وحدث ما حدث مع زميلي ابنك العزيز، كما أن العقل بسلطانه وقدرته في مواقف معينة لا بد من كبح جماحه ولا بد أن يصحبه شيء من العاطفة. |
المهم أن نضع الأشياء في مكانها الصحيح وألا نفقد السيطرة سواء على العقل أو العاطفة، وبهذا المزيج في معظم المواقف لن يصحبه كثير من الخطأ والندم، فأحس الأب بصدق الزميل في قوله وما يعتقده، وقال للجميع سأفكر وحين استوعب قد تسمعون مني ما أظن معه بالفائدة. |
وبعد أيام عرض على ابنه أن يزورا الزميل ووالده، وحين وصلا للدار ظهرت بوادر الارتياح والامتنان على الزميل ووالده مرحبين بهذه الخطوة وتلك المبادرة، وقال والد الزميل: إنها زيارة نرحب بها ونفهم من خلالها معنى التسامح وقيمته، فنحن بمزيد سرورنا بزيارتكم نحس أن التسامح قد حل وما يتبعه من رضاء ومحبة محل كل أثر أحسسنا به في السابق، فلقد هدأت النفوس بانهزام كل حس بالانتقام. |
ورد الأب الزائر معبراً عن أسفه على ما ألحقه بزميل ابنه مؤكداً أنه سمع ما كان حريصاً على تأكيده ثم اتبع كلامه بقول الشاعر مؤكداً أن ما حدث لا يخلو من نزعة إلى الشر.. |
والشر في الإنسي مبثوث |
والنفع مذ كان ممزوجاً به الضرر |
وقال كل ما أود أن أقوله سأستشهد عن قناعة بشيء من الشعر فلقد قال الشاعر: |
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله |
فقد كملت أخلاقه ومآربه |
|
فما الحداثة عن حلم بمانعة |
قد يوجد الحلم في الشيب والشبان |
|
إذا وترت أمراً فاحذر عداوته |
من يزرع الأشواك لا يحصد به العنبا |
|
ليست الأحلام في حال الرضى |
إنما الأحلام في حال الغضب |
ثم أردف قائلاً: لم أقصد حشو الشعر إلا أنني مقتنع بما احتوى فنحن أشد ما تكون الحاجة إلى العقل والحكمة في كل المواقف، وأن نقاوم الغضب حين لا يكون في مكانه الصحيح وأن لا يأخذ بناصيتنا العقل في غير مكانه، ولا تغدر بنا العاطفة الجياشة، فمزيج من الاثنين قد يكون الأسلم في معظم المواقف المشابهة. |
ولا شك أن الغضب متى استبد بأحدنا وفرض نفسه مع كل المواقف ضل طريقنا لنقترب من الخطأ بكل تفاصيله، بل هو مانع لمعرفة الحقيقة وأين الصواب مع موقف أو آخر، كما أن الحس الإنساني الشفاف يجب أن يسود، فالحمية ومن أجلها بلا تفهم لواقع الحال وما يحيط بالمشكلة من تفاصيل لا يبرر أي تصرف بعد ذلك. |
فعاطفة القرابة أمارسها في مكانها الصحيح دون تجاوز، قد أكون بهذا من يؤكد الجانب النظري من الموضوع، لكن الفهم فالقناعة فترويض النفس والطبع يبدل ما هو نظري إلى واقع عملي مع الوقت، ويحتل من النفس الصدارة ليحكم سلوك الإنسان مع نفسه وأموره الخاصة به قبل أن تكون مع غيره. |
ومن شاء المكانة الاجتماعية المؤثرة وجب أن يتخلق بذلك، وأظن أننا جميعاً نود أن نرى أثراً لنا من خلال انتمائنا الاجتماعي وعلاقتنا بالآخرين، كما أن مفتاح الشر أن نبدأ بشيء منه لنكتشف أنه سيطر علينا، ومع الوقت يصبح طبعاً لنا، ومن يكره شرور الغير يمنع شروره فالنفس ليس الشر رائدها بل الشر والخير معاً، وخيرنا من حكم الخير وما يؤدي إليه. |
إن أمانينا رضى الخالق وخلقه، ووسائل ذلك بأيدينا، وبأيدينا أيضاً إرادة نحرك بها نوازع النفس بما نسر به ويحقق السرور للآخرين حين ندرأ شرورنا عنهم وندفع بالخير ما استطعنا. |
|