Al Jazirah NewsPaper Thursday  11/12/2008 G Issue 13223
الخميس 13 ذو الحجة 1429   العدد  13223
وزير العمل.. وأعواد الثقاب!
رمضان جريدي العنزي

وزير العمل معالي الدكتور غازي القصيبي أفاد في أحد تصريحاته الصحفية بأن وزارة العمل قد قامت بتأجيل تنفيذ قرار تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية إلى الوقت (المناسب)؟! وأن السعودة في (خطر)؟! وأنه لا بد من وضع

حد (أدنى) لرواتب السعوديين؟! وأن على مفتشي الوزارة القدامى والجدد الذكور منهم والإناث مضاعفة جهدهم وعملهم إلى الحد الأقصى في ضبط كل منشأة مخالفة لتعليمات وزارة العمل، وأنا شخصياً لا أعرف ما هو الوقت المناسب (لتأنيث) محلات بيع المستلزمات ومتى يحين؟ ومتى تبدأ شمس السعودة الحقيقية بالإشراق؟ وإذا نفذت كل هذه القرارات كيف ينفذ؟ وبأي طريق وآلية يعمل بها؟ وهل تصبح مثل سعودة محلات الذهب؟ وسعودة محلات بيع الخضار والفواكه؟ وسعودة بعض الوظائف الإدارية والفنية التي حددتها وكالة الوزارة التي ما لبثت أن ولدت حية حتى ماتت في المهد! هذه مقدمة لا بد منها، وعليه فأنا شخصياً وبشكل مطلق لا ألوم معالي الدكتور غازي القصيبي وحده على تأخير تنفيذ القرارات، لأني أعرف جيداً بأن معاليه يرتحل بين مجرات كبيرة ومهولة وحده، ويمشي في طرق مزروعة بأعواد ثقاب قابلة للاشتعال، ويسير على أرضية غير مستوية وغير معبدة ، أعرف ذلك جيداً وأعرف رأس معاليه المثقل بالأفكار والهموم، وأعرف أن داخله مسكون بجبال كبيره تئن من هول حملها النفوس لكنه مع ذلك يبتسم ويتفاءل ويفتح نوافذه لقطرات الندى الجميل ويستمر في شحذ همم الرجال من حوله لمساعدته في اجتياز المراحل الصعبة، أعرف أن معالي الدكتور غازي ينام ويحلم بأشياء كثيرة وكبيرة بعضها مزعج والبعض الآخر يوحي بالطمأنينة, أعرف بأن له طبيعة متفائلة بالحياة وبالعمل، وله فلسفة ومفاهيم خاصة، وله رتم وإيقاع متميز، ويحاول ألا يقع في دوامات الفهم المتداخلة، كلما حاول إدراك موضوع أدركه تماماً، ولا يعتمد على الفهم السطحي لتقويم الآخرين أو أن يجعل الأشياء معقدة وغير بسيطة ويمارس عملياً تجسيد كل تلك المفاهيم ويترجمها كحالة واقعية ومعاشة ويتفاعل معها بصدق، وأعرف بأنه يتعامل مع وجوه كثيرة لها متناقضات ومتضادات بائنة وواضحة ويحاول أن يمشط شعر الليل ويظفر جدائل الشمس في آن واحد، له قدرة هائلة على الصبر والتصميم، مارس الركض طويلاً، له هدوء السحر، يحب الفضاءات النقية الأكثر جاذبية، روحه متعبة لكنه ما يزال يملك خصلة ضوء متقد لا ينطفئ، معالي الدكتور غازي القصيبي غير مزمجر وغير عنيف له حضور يسكن الجلد والدم والعظم، يكره الصخور الرمادية والعواصف والرياح والحيطان، ويحب أشجار الصنبور وأشجار العرعر وأشجار الأثل العتيقة والنهارات والكون الفسيح وصوت فيروز والقصائد العابقة بالزهو، معالي الدكتور غازي القصيبي تنقل في كل الإمكان ورسم بصماته عليها وترك علامات كبرى تدل على أنه مر في تلك الأماكن بتفوق وبنجاح وهو واحد من الكبار الذين قدموا للوطن أعمالاً لا تنسى وتستحق الكثير من الثناء والذكر، إنني أوردت تلك المعاني والصور الجميلة لمعاليه لا لشيء إلا من أجل الوصول إلى هدف معين وهو أن يد معاليه وحدها لا تصفق مطلقاً وأن العمل إن لم يكن جماعياً وبشجاعة من كافة الأطراف والأطياف والطبقات والشرائح الاجتماعية المتنوعة والمختلفة سيصبح غير ذي فعالية ولا إنتاجية وغير قابل للحياة ، إن كل غرضي وهدفي هو أن لا نتحامل على معاليه وعلى وزارة العمل وإن قصرت في بعض الأشياء أو لديها خلل في بعض النقاط أو عجز في تنفيذ بعض القرارات أو تهاون أو مجاملة لأحد، إن علينا كأفراد مجتمع على كافة الأعراف والصعد وكل في موقعه أن ننفض الكسل والغبار المتراكم على مرايانا القديمة وأن نعمل بنشاط من أجل تشخيص حالات النكوص والتردي في مجالات قبول الأشياء ورفضها فلم يعد لدينا ثمة مبرر للركود، إن النرجسية الاجتماعية الحاصلة بيننا ومحاولة التفرد ب(النقاء) و(الخصوصية) وانتقاء مهن معينة ووضع الأطر والحواجز وتقفيل الأبواب وإشاعة ثقافة العزل والخوف والتخوين والشك والريبة لا تمنحنا النهوض وليست في مصلحتنا إذا أردنا أن ندخل ميادين العمل المتنوعة والمتوفرة حتى لو وضع لنا معالي الدكتور غازي القصيبي ألف مليون استراتيجية عمل ودلنا على كيفية الوصول لها، إننا إن لم نجرؤ ببساطة على قبول الأشياء وتحديها وممارستها بعقلية منفتحة يعني مزيداً من فرص العمل الضائعة لكلا الجنسين رغم المناخ العملي والاستثماري الحالي والبنية التحتية الكبير والهائلة في القطاعات الاقتصادية الخاصة والعامة، إن تحقيق الوصول إلى الأهداف المنشودة يتطلب ركضاً متواصلاً لاستيعاب الوضع الحالي وأن الانحناء للعاصفة دون محاولة مواصلة الركض عبر اختيار طرق ودروب سليمة وآمنة متنوعة يعني ضياع وموت محقق، إننا بحاجة ماسة وقوية إلى مناقشة عدة قضايا محورية كثيرة من أهمها عمل المرأة في محلات بيع المستلزمات النسائية إذ كيف يسمح للمرأة بممارسة بيع (الفصفص) و(المفرقعات) و(المشروبات الغازية) و(المياه المعدنية) على قارعة الطريق المكشوف وأمام المارة من مختلف الطوائف والنحل والمذاهب والملل دون ممانعة أو صراخ أو عويل أو توجد وفي نفس الوقت يقيم بعضنا الدنيا ويقعدها عندما يصرح معالي وزير العمل بأن هناك قرارات تجيز للمرأة العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية ضمن جو مقنن وآمن ومراقب، إن الازدواجية العقلية التي يمارسها البعض هي نفسها التي تجيز الشيء ولا تجيز الشيء الآخر رغم تطابق المضمون والهدف، إننا بحاجة إلى حوارات كثيرة ومستمرة ودائمة لمناقشة مثل هذه الموضوعات التي تهم المجتمع بشكل لصيق وإيجاد سبل لمعالجتها وفق نظم وتشريعات معينة، إنني أريد أن أوقد اليقظة والمسؤولية في نفوسنا كمجتمع وأن نرفض الاتكال وأن نستحوذ على روح المبادرة وأن نرسم في خلايانا الجسدية سمة العمل وحب الإبداع دون توحش أو خوف أو ريبة أو أنانية أو تميز وأن نتقبل كل قوانين العمل بخطوات واثقة تخدم مصلحة الوطن والمجتمع رجالاً ونساء وأجيالاً قادمة وإنني في الأخير أقول بأنني لا ألوم معالي الدكتور غازي القصيبي وإن انتقدته في مقالات سابقة لأنه يعي جيداً معنى النقد الهادف البناء ولا يغضب ولا وزاره العمل وإن كنت أعيب عليها بعض (الهنات والزلات) بقدر ما ألوم المجتمع ككل ذكوراً وإناثاً مثقفين وأميين معلمين وطلبة رعاة أغنام أو بياطرة محاضرين اجتماعيين أو أدباء شعراء أصحاء أو مرضى إعلاميين أو طلبة علم وإن استشاطوا غضباً علي أو رفعوا العصا في وجهي أو وضعوني في خانة معينة وأغدقوني بالشتم وبالسباب لأن زمن مشي السلاحف قد رحل وولى وبدأ وثب النمور القوية وأن الأفكار العتيقة لا تجلب لنا النور بقدر ما تمنحنا مزيداً من العتمة والظلام.



ranazi@umc.com.sa

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد