الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - ناصر السنة وقاهر البدعة ومجدد عصره، نشأ في عصر كثرت فيه البدع وخف ميزان العقيدة فبدأ دعوته - رحمه الله - بترسيخ العقيدة الصحيحة، ونبذ البدع والخرافات التي كان سببها الجهل. فهي دعوة إصلاحية جاءت في وقت الناس فيه أحوج ما يكونوا إلى تصحيح عقيدتهم. ولاقت هذه الدعوة مساندة من الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - مما أسهم في انتشارها في شبه الجزيرة العربية، بل وفي خارجها. وإن من أبرز ما تميزت به هذه الدعوة:
1- اعتمادها على الكتاب والسنة.
2- رد الشبهات وكشفها.
3- أنها دعوة ذات صلة وثيقة بمذهب السلف، فهي دعوة سلفية، وهذا مما يزيدها منزلة ومكانة لدى عقلاء المسلمين الذين فهموا هذه الدعوة على حقيقتها.
ولكن - ومع الأسف الشديد - نسمع في العصر الحاضر من يتهم هذه الدعوة بالتشدد والتزمت وجعلوها مذهباً خاصاً يعرف بالوهابية وأقول لهم سبحانك هذا بهتان عظيم.
وأجيب هذه الفئة المفترية وأقول: ماذا تعرفون عن دعوة الشيخ؟ وهل قرأتم شيئاً من مؤلفاته؟ فإن الحكم على الشيء ناتج عن تصوره.
أجاب الكثير منهم إجابة سلبية وأنهم لا يعرفون شيئاً عن الشيخ ولا عن دعوته وإنما اشتهر مصطلح الوهابية على هذا المعنى. ومن هنا جاء الخلل في اتهام دعوة الشيخ بالتشدد حتى أصبح مصطلح (الوهابية) علماً على ذلك. فأقول وبالله التوفيق:
إن فاقد الشيء لا يعطيه. فاقرأ وإن شئتم كتاب الشيخ كتاب التوحيد، أو كشف الشبهات، أو الأصول الثلاثة، أو آداب المشي إلى الصلاة. ثم بعد ذلك يأتي الحكم على ما قرأتموه. وفتشوا عن التشدد الذي تزعمونه. ومن خلال قراءة هذه المؤلفات وغيرها يتبين لكل أحد بأن اهتمام الشيخ بأمور العقيدة أكثر من اهتمامه بالأحكام الفقهية، وهو - رحمه الله - لم ينفرد بآراء خاصة تخالف المذهب في الجملة. وأقواله - رحمه الله - تتفق مع المصلحة العامة للأمة.
ثم إن نشر هذه الدعوة وتقييمها إنما ينطلق من خلال الفهم الصحيح لها، فهي ليست مذهباً مستقلاً كما يزعمه أولئك المغرضون. وإنما هي دعوة إصلاحية ذات صلة وثيقة بمذهب أهل السنة والجماعة.
ووصفها بالوهابية لا يقلل من شأنها، فالوهابية نسبة إلى من تزعم لواءها وشرف بالانتساب إليها، فالوهابي هو المتمسك بعقيدته الملتزم بأحكام دينه، لا كما يظنه أولئك المغرضون الذين يصفون الوهابي بأنه صاحب مبدأ جديد ومذهب فيه تعسف.
لقد شوّه أولئك دعوة الشيخ ونسبوا إليها ما ليس فيها. فرحم الله الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فلقد كان عصره حافلاً بالتراث العلمي الذي تركه لينتفع به من بعده، فهذه مؤلفاته وآثاره العلمية تزخر بها المكتبات، رغم حقد الحاقدين ونوايا المغرضين. ودعوة كالجبال الراسية لا تكدرها تلك الاتهامات الباطلة ولا تنقص من قدرها.. ومن عرف حقيقة دعوة الشيخ يفتخر بأنه وهابي.
وأوجه رسالة لكل من يسيئ إلى الدعوة بأن يتق الله ولا يقول إلا الحق، والحق أحق أن يتبع. ومن أراد الحقيقة فهذه مؤلفات الشيخ في متناول يد كل طالب علم وهي الحكم الفصل ضمنها - رحمه الله - نصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف.
ومما يؤيد هذه الحقيقة أن أكثر من يتهم دعوة الشيخ بالتشدد والتعسف هم من غير المنتسبين للعلم الشرعي مما يدل على عدم فهمهم لحقيقة الدعوة. ويا حبذا لو أخذ كل واحد منهم دورة علمية عن الدعوات الإصلاحية والتي من أبرزها دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فبعد ذلك سيتغير رأيه ويعرف خطأه ويثوب إلى رشده والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. فمتى كان التزام المسلم بدينه وعقيدته تشددا؟ ولكن كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء). وهم الذين يصلحون إذا فسد الناس.. فاللهم قد بلغت اللهم فاشهد. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المعهد العالي للقضاء
للتواصل: dr-alhomoud@hotmail.com