Al Jazirah NewsPaper Tuesday  09/12/2008 G Issue 13221
الثلاثاء 11 ذو الحجة 1429   العدد  13221
المنشود
(يصغروا.. يصغروا)!!
رقية سليمان الهويريني

أذكر حين كنتُ طفلة أن والدتي - عليها رحمة الله - كانت تستخدم نوعاً معروفاً من الصابون لغسل الملابس؛ فقادني فضولي لمعرفة وزن علبة الصابون فوجدتها 196 غم، وقد كنت رأيتُ سابقاً عبوة أخرى مثيلة لها تماماً فقارنتها بها ووجدت الوزن الصافي 206 غم، بينما حجم العبوة الخارجي لم يتغير إطلاقاً!

نقلتُ دهشتي لأمي، وأخبرتها باكتشافي، إلا أنها - رحمها الله - نهرتني؛ حيث كان لديها من الأعمال المتراكمة ما يكفيها عن التفكير في الفرق بين وزن العلبتين! فلم أهدأ حينها وذهبتُ إلى ابنة جيراننا صديقتي عائشة لأسألها عن علبة الصابون؛ حيث لا يُستعمل غيره آنذاك.

أحضرت لي عبوة 206 غم، فزادت دهشتي وتعاظمت حيرتي إلى أن قالت: نحن نشتري كرتوناً كبيراً بداخله علب صغيرة من الصابون حين نسافر إلى الرياض في الصيف.

ذهبتُ سريعاً إلى والدتي وسألتها عن وقت شراء هذا الصابون، وكانت قد أنهت أعمالها وأصبحت أقل توتراً، فأجابت باقتضاب: قبل يومين!

فضفضتُ لأمي عما يدور في خلدي، وما يعتلج في قلبي من سرقة 10 غم من العبوة، ولاسيما بعد معرفتي أن السعر لم يتغير! فتنهدتْ وأرجعته إلى قلة الأمانة!

وبعد أن أصبحتُ أُمّاً كنت أحضر لأولادي حين كانوا أطفالاً (حليب شفاط) صغير الحجم وزنه 250 مل، إلا أنني فوجئت الآن بأن وزنه أصبح 150مل، بينما سعره ريال واحد لا يتغير! والعجيب أن المستهلك يشتريه بعد أن نقص منه ما يقارب النصف، ولم يسبق لأحد أن ناقش النقص من المكيال والميزان! ولا أعلم هل هذا يدخل في اختصاص الغش التجاري أم نقص الذمم؟!

ولعل الكثير منكم يتذكر حين كانت الثمانية أرغفة بريال واحد والآن أربعة وأحياناً ثلاثة! أما عن الحجم فكان قطر الرغيف 40 سم، والآن 15 سم! وعلبة الصابون أصبحت 150 غم برغم أن كل شيء يكبر كطبيعة الأشياء إلا أن الأحجام والأوزان لدينا تصغر وتصغر تبعاً للأمانة التي تقلصت إلى حد الانكماش، وأخشى التلاشي!

وأرجو ألا ننسى أن زوال بعض الأمم السابقة كان بسبب التطفيف بالمكيال والميزان ولو بأمور بسيطة وتافهة، ولكنها عند الله عظيمة، والتهاون فيها يقودنا إلى التقصير بما هو أكبر منها.

وبالمناسبة ذهبتُ إلى إحدى الدوائر الحكومية النسائية فوجدت الدوام يبدأ الساعة الثامنة والنصف، وحين استنكرتُ ذلك أجابت موظفة: إنَّ نصف ساعة من حق الموظف بسبب الزحام، باعتبار أن الدوام يبدأ الساعة الثامنة، فتعجبتُ أكثر؛ لأنها لا تعلم أنه يبدأ السابعة والنصف، وكان ينبغي الالتزام بوقت الدوام المحدد، ولو أنه يعد وقتاً متأخراً في فصل الصيف، والله المستعان! حيث بدأ الموظف يقرض من بداية الدوام ويقضم من نهايته حتى لم يبقَ فيه إلا وقت قصير فيستكثِر بعدها الذهاب إلى العمل ومواجهة الزحام فيتخلى عن أداء عمله.

وهنا تُفتقد الأمانة التي اغتيلت في ساعة مجهولة من النهار، فعليها من الله رحمة، ولها منا الذكرى الطيبة، تماماً كذكرياتي عن المرحومة والدتي وصديقة الطفولة عائشة والصابون ذي 206 غم الذي نقص غرامات كثيرة حتى تحوّل إلى صابون للجيب!

rogaia143@hotmail.Com
ص. ب 260564 الرياض




لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6840 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد