لقد شكل الرئيس المنتخب أوباما (فريق الأمن الوطني) لإدارته، فرشح: هليري كلينتن وزيرة للخارجية (منافسته في انتخابات الحزب الديموقراطي)، وأبقى على روبرت جيتز وزيرا للدفاع (الجمهوري المعين من بوش)، ورشح إيريك هولدن لمنصب المدعي العام (وزير العدل)...
... وجانت نابوليتانو (حاكمة ولاية أريزونا)، وزيرة لشؤون الأمن الوطني، وسوزن رايس ممثلة لبلاده في الأمم المتحدة.
الحديث الآن عن أولويات الرئيس الأمريكي المنتخب وتوجهاته القادمة، على المسرح الدولي بشكل خاص، في ضوء التشكيل الجديد لفريق الأمن الوطني. الملاحظ أن أوباما في حملته الانتخابية لم يكن ميالاً للقوة، بل للتحاور، فهل يمكن، بناءً على توجهات المرشحين لفريق الأمن الوطني، أن ينعت بأنه (صقوري) التوجه؟ وقد يعرف عنه بعد فوزه بالرئاسة أكثر مما عرف عنه أثناء حملته الانتخابية، على المستويين الوطني والدولي.
لقد أعطى أوباما نفسه أكثر من مخرج وإبقاء الأكثرية من القوات دونما تحديد للانسحاب الكامل من العراق، صحيح أن المعلن هو نهاية 2011م ولكن سيكون هناك مداولات في ضوء الوضع الداخلي والتأثيرات الإيرانية. واختيار الجنرال جونز، كرئيس إداري للبيت الأبيض، إضافة إلى جيتز، في الدفاع، مع كلينتن، ما ذلك الاختيار إلا تأكيداً على الجانب الأمني الداخلي وارتباطاته الخارجية. إستراتيجية بوش الحربية الذي بدأ فيها بالتركيز على العراق، التي لم تكن القاعدة فيها ولم يكن لديها أسلحة دمار شامل، أما أفغانستان فكانت الإستراتيجية العسكرية المنعوتة ب(إستراتيجية اضرب واهرب). فلسبع سنوات في أفغانستان لم تثمر هذه الطريقة، وقبلها لم تسفر إستراتيجية الروس لمدة عشر سنوات إلا تدميراً وقتلاً لمن يستحق ومن لا يستحق. كانت القرى تضرب وتدمر ثم يتم الانسحاب منها، سياسة التدمير لا التعمير، ثم تأتي طالبان لتحتل القرى المدمرة. عسى أن يكون في وسع الثلاثي (جونز -كلينتن- أوباما) عكس ما كانت تقوم به إدارة بوش فيما يتعلق بالتعامل مع الحربين التي تخوضها أمريكا خاصة، وما يتعلق بالتعامل مع الأزمات الدولية الأخرى عامة، وهي كثيرة: دارفور، زمبابوي، الكونغو، الصومال، إيران، فلسطين. أما بالنسبة لأولويات أوباما تجاه الأزمات فلربما تأتي في المقدمة: (أفغانستان، العراق، إيران، الباكستان)، وهذه المجموعة تكون ما يمكن أن يطلق عليه (الأزمة الكبرى) أزمة كبرى في حد ذاتها، ونتيجة للتعقيدات والارتباطات بين مكوناتها وعناصرها، أضف إلى ذلك، للمزيد من التعقيد، ما حصل من إرهاب في مومباي الهندية مؤخراً.
هل من أولويات للإدارة الأمريكية القادمة، في ضوء (التشكيل المرشح)؟ هنالك توجه نحو زيادة في حجم المارينز، سيكون من نتائج هذا التوجه زيادة في منسوبي الجيش، إذا ما أضيف إلى ذلك تحديث السلاح، إذ إن السلاح العظيم الذي أرسل للعراق سيعود بحالة أقل ما يقال عنها إنها غير جيدة. وتقدر تكاليف إعادة البناء والتحديث، في شكلها المبدئي، 25 بليوناً من الدولارات. وإذا كان توجه أمريكا سيكون (صقوريا) بالنسبة لأفغانستان، بعد سبع سنوات تعقدت فيها الأمور وزاد خلالها المد الطالباني، فسيكون أمامها استعراض عسكري طويل ولربما شاق.
وعلى افتراض أن القصد من الحرب في أفغانستان تكوين دولة (حديثة) فتلكم مهمة صعبة، لا أمريكا ولا غيرها يمكن أن تقوم بها، يتحقق ذلك عن طريق (مبدأ الشراكة) وليس مبدأ (الإطاحة) لا بد أن يترك للأفغان الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف المتنازعة ويحقق تنمية شاملة وأمنا حقيقيا.
والنزعة البراجماتيكية لأوباما، كما يلاحظ على خطابه عندما أعلن طاقم الأمن الوطني، إضافة إلى أن المكونين لهذا الطاقم من النوع الثقيل، ما ذلك إلا رسالة موجهة إلى العسكريين، لإنجاز المهمة الأفغانية.